والثاني : أنّها تشبه الصفة والعامل في الصفة هو العامل في الموصوف والموصوف إمّا فاعل وإمّا مفعول به.
فصل : فأمّا تقديم الحال على العامل (١) إذا كان ظرفا فقد أجازه أبو الحسن بشرط تقدّم المبتدأ عليها كقولك : زيد قائما في الدار. وتقدم الظرف عليهما كقولك : في الدار قائما زيد. ولا يجوز عند الجميع : قائما زيد في الدار ، ولا قائما في الدار زيد ، واحتجّ بشيئين :
أحدهما : أنّ تقديم أحد الجزئين كتقديمهما لتوقّف المعنى عليهما.
والثاني : أنّ الظرف متعلّق بالفعل فكأنّ الفعل ملفوظ به.
والجواب : أنّ الظرف على كلّ حال غير عامل بلفظه فصار كأسماء الإشارة ، وتقدّم أحد الجزئين لا يخرجه عن أن يكون معنويّا ، وأن التقديم تصرّف والظروف لا تصرّف لها ثم هو باطل بقولك : زيد قائما. هذا إذا جعلت (زيدا) مبتدأ و (هذا) خبره ، وأمّا تعلّقه بالفعل فلا يوجب جواز التقديم ؛ لأن العمل للظرف لا لذلك الفعل ، وربما قيل : إنّ عمل الظرف أضعف من عمل معنى الإشارة ؛ لأن الفعل يصحّ إظهاره مع الظرف فتبيّن أنّ العمل للفعل ، وأمّا معنى الإشارة فلا يجتمع مع اسم الإشارة ، فصار اسم الإشارة بمنزلة نفس العامل.
__________________
(١) الأصل في الحال أن تتأخر عن عاملها. وقد تتقدّم عليه جوازا ، بشرط أن يكون فعلا متصرفا ، نحو «راكبا جاء علي» أو صفة تشبه الفعل المتصرف ـ كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة ـ نحو «مسرعا خالد منطلق». ومن الفعل المتصرف قوله تعالى (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ ،) وقولهم «شتّى تؤوب الحلبة» ، أي متفرّقين يرجعون.
(فان كان العامل في الحال فعلا جامدا ، أو صفة تشبهه ـ وهي اسم التفضيل ـ أو معنى الفعل دون أحرفه ، فلا يجوز تقديم الحال عليه ، فالأول نحو «ما أجمل البدر طالعا!». والثاني «عليّ افصح الناس خطيبا». والثالث نحو «كأنّ عليا مقدما أسد» ، فلا يقال «طالعا ما أجمل البدر. ولا علي خطيبا أفصح الناس. ولا مقدما كأن عليا أسد» ويستثنى من ذلك اسم التفضيل في نحو ، قولك «سعيد خطيبا أفصح منه كاتبا. وابراهيم كاتبا أفصح من خليل شاعرا» ففي هذه الصورة يجب تقديم الحال ، كما ستعلم.
واعلم أن اسم التفضيل صفة تشبه الفعل الجامد ، من حيث أنه لا يتصرف بالتثنية والجمع والتأنيث ، كما تنصرف الصفات المشتقة ، كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة. فهو لا يتصرف تصرّفها إلا في بعض الأحوال ، وذلك إن اقترن بأل أو أضيف الى معرفة ، فيصرف حينئذ افرادا وتثنية وجمعا وتذكيرا وتأنيثا.