فصل : ولا يجوز تقديم حال المجرور عليه ؛ لأن العامل في الحال هو العامل في صاحب الحال ، والعامل في صاحبها هو الحرف المعلّق بالفعل فصار كالشيء الواحد فتقديمها على الجارّ يفصل بين الفعل والحرف ؛ ولأنّ حرف الجرّ لا تصرّف له وهو العامل في صاحب الحال ، وليس له معنى يعمل به فامتنع قولك : (مررت قائما بزيد) و (قائما مررت بزيد) والقيام لزيد (١).
وقال بعض النحويّين يجوز تقديمها عليه واحتجّ بقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) [سبأ : ٢٨] وبقول الشاعر : [الطويل]
فإن تك أذواد أصبن ونسوة |
|
فلن يذهبوا فرعا بقتل حبال |
أي : بقتل حبال. (فزعا) أي هدرا. والجواب : أمّا (كافّة) فحال من الكاف لا من الناس والهاء فيها للمبالغة ، والتقدير : ما أرسلناك إلّا كافّة للناس كفرهم ، وأمّا (فرغا) فحال من الفاعل ، أي : فلن يذهبوا ذوي فرغ.
فصل : العامل الواحد يعمل في أكثر من حال كقولك : جاء زيد راكبا ضاحكا ؛ لأن الحال كالظرف والعامل قد يعمل في ظرفين من المكان والزمان والمعنى لا يتناقض ، وقال البصرييّن : لا يعمل إلا في واحدة ؛ لأنها مشبّهه بالمفعول والفعل لا يعمل في مفعولين فصاعدا على هذا الحدّ ، فإن وقع ذلك جعلت الحال الثانية بدلا من الأولى أو حالا من المضمر فيها.
__________________
(١) تتقدم الحال على عاملها وجوبا في ثلاث صور :
١ ـ أن يكون لها صدر الكلام ، نحو «كيف رجع سليم؟» ، فإن أسماء الاستفهام لها صدر جملتها.
٢ ـ أن يكون العامل فيها اسم تفضيل ، عاملا في حالين ، فضّل صاحب إحداهما على صاحب الأخرى ، نحو «خالد فقيرا ، أكرم من خليل غنيّا» ، أو كان صاحبها واحدا في المعنى ، مفضّلا على نفسه في حالة دون أخرى ، نحو «سعيد ، ساكتا ، خير منه متكلما». فيجب والحالة هذه ، تقديم الحال التي للمفضّل ، بحيث يتوسط اسم التفضيل بينهما ، كما رأيت.
٣ ـ أن يكون العامل فيها معنى التّشبيه ، دون أحرفه ، عاملا في حالين يراد بهما تشبيه صاحب الأولى بصاحب الأخرى ، نحو «أنا ، فقيرا ، كخليل غنيّا ، ومنه قول الشاعر :
تعيّرنا أنّنا عالة ونحن |
|
صعاليك ، أنتم ملوكا |
أو تشبيه صاحبهما الواحد في حالة ، بنفسه في حالة أخرى ، نحو «خالد ، سعيدا ، مثله بائسا». فيجب ، إذ ذاك ، تقديم الحال التي للمشبّه على الحال التي للمشبّه به ، كما رأيت. إلا إن كانت أداة التّشبيه «كأنّ» ، فلا يجوز تقديم الحال عليها مطلقا ، نحو «كأنّ خالدا ، مهر ولا ، سعيد بطيئا».