فصل : و (إلى) (١) لانتهاء الغاية وهي مقابلة ل (من).
وقال قوم : تكون (إلى) بمعنى (مع) كقوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) [النساء : ٢] و (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) [الصف : ١٤] (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ) [هود : ٥٢] (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) [المائدة : ٦] وهذا كلّه لا حجّة فيه بل هي للانتهاء والمعنى لا تضيفوا أموالهم إلى أموالكم وكنّى عنه بالأكل كما قال : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) [النساء : ٢٩] أي : لا تأخذوا. و (مَنْ أَنْصارِي) أي : من ينصرني إلى أن أتّم أمر الله أو موضعها حال ، أي : من أنصاري مضافا إلى الله ومثله : (إِلى قُوَّتِكُمْ.)
__________________
(١) إلى لها ثلاثة معان :
١ ـ الانتهاء ، أي انتهاء الغاية الزمانيّة أو المكانيّة. فالأول كقوله تعالى (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) والثاني كقوله (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى.)
وترد أيضا لانتهاء الغاية في الأشخاص والأحداث. فالأول نحو «جئت إليك» ، والثاني نحو «صل بالتّقوى إلى رضا الله».
ومعنى كونها للانتهاء أنها تكون منتهى لابتداء الغاية.
أمّا ما بعدها فجائز أن يكون داخلا جزء منه أو كلّه فيما قبلها ، وجائز أن يكون غير داخل. ؛ فإذا قلت «سرت من بيروت إلى دمشق» ، فجائز أن تكون قد دخلتها ، وجائز أنك لم تدخلها ، لأنّ النهاية تشمل أول الحدّ وآخره. ، وإنما تمتنع مجاوزته. ومن دخول ما بعدها فيما قبلها قوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ.) فالمرافق داخلة في مفهوم الغسل. ومن عدم دخوله قوله عزوجل (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ.) فالجزء من الليل غير داخل في مفهوم الصيام. وقالت الشيعة الجعفرية إنه داخل. والآية ـ بظاهرها ـ محتملة للأمرين.
فإن كان هناك قرينة تدلّ على دخول ما بعدها فيما قبلها ، دخل ، أو على عدم دخوله لم يدخل. فإن لم تكن قرينة تدلّ على دخوله أو خورجه ، فإن كان من جنس ما قبلها جاز أن يدخل وأن لا يدخل ، نحو «سرت في النهار إلى العصر» وإلا فالكثير الغالب أنه لا يدخل. نحو «سرت في النهار إلى الليل». وقال قوم يدخل مطلقا ، سواء أكان من الجنس أم لا. وقال قوم لا يدخل مطلقا. والحقّ ما ذكرناه.
٢ ـ المصاحبة ، أي معنى «مع» كقوله تعالى (قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) أي معه ، وقوله (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ ،) ومنه قولهم «الذّود إلى الذّود إبل» ، وتقول «فلان حليم إلى أدب وعلم».
٣ ـ معنى «عند» ، وتسمّى المبيّنة ، لأنها تبين أن مصحوبها فاعل لما قبلها. وهي التي تقع بعد ما يفيد حبا أو بغضا من فعل تعجّب أو اسم تفضيل ، كقوله تعالى (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) ، أي أحبّ عندي. فالمتكلم هو المحبّ. وقول الشاعر :
أم لا سبيل إلى الشّباب ، وذكره |
|
أشهى إليّ من الرّحيق السّلسل |