وأمّا قوله : (إِلَى الْمَرافِقِ) ففيه وجهان :
أحدهما : أنّها على بابها وذاك أنّ المرفق هو الموضع الذي يتّكئ الإنسان عليه من رأس العضد ، وذلك هو المفصل وفويقه فيدخل فيه مفصل الذراع ولا يجب في الغسل أكثر منه.
والثاني : أنّ (إلى) تدلّ على وجوب الغسل إلى المرفق ولا تنفي وجوب غسل المرفق ؛ لأن الحدّ لا يدخل في المحدود ولا ينفيه التحديد كقولك : سرت إلى الكوفة فهذا لا يوجب دخول الكوفة ولا ينفيه ، وكذلك المرفق إلا أنّ وجوب غسله ثبت بالسّنة.
فصل : ومعنى (عن) المجاوزة والتعدّي ، وقولك : أخذت العلم عن فلان مجاز ؛ لأن علمه لم ينتقل عنه ووجه المجاز أنك لمّا تلقّيته منه صار كالمنتقل إليك عن محلّه.
فصل : وقد يكون : (عن) اسما يدخل عليه حرف الجرّ فيكون بمعنى جانب وناحية قال الشاعر (١) : [الكامل]
ولقد أراني للرّماح دريئة |
|
من عن يميني مرّة وأمامي |
وهي إذا كانت اسما مبنيّة لشبهها بالحرف في نقصانها لأنّك لا تقول : جلست عن ، كما تقول : جلست ناحية وجانبا.
فصل : وأما : (في) فحقيقتها الظرفيّة كقولك : المال في الكيس ، وقد يتجوّز بها في غيرها كقولك : فلان ينظر في العلم ؛ لأن العلم ليس بظرف على الحقيقه ولكن لمّا قيّد نظره به وقصره عليه صار العلم كالوعاء الجامع لما فيه.
__________________
(١) البيت من شعر قطري بن الفجاءة : (٧٨ ه / ٦٩٧ م) وهو جعونة بن مازن بن يزيد الكناني المازني التميمي أبو نعامة.
شاعر الخوارج وفارسها وخطيبها والخليفة المسمّى أمير المؤمنين في أصحابه ، وكان من رؤساء الأزارقة وأبطالهم. من أهل قطر بقرب البحرين كان قد استفحل أمره في زمن مصعب بن الزبير ، لما ولي العراق نيابة عن أخيه عبد الله بن الزبير.
وبقي قطري ثلاث عشرة سنة ، يقاتل ويسلّم عليه بالخلافة وإمارة المؤمنين والحجاج يسير إليه جيشا إثر جيش ، وهو يردهم ويظهر عليهم. وكانت كنيته في الحرب نعامة و (نعامة فرسه) وفي السلم أبو محمد.
قال صاحب سنا المهتدي في وصفه : كان طامة كبرى وصاعقة من صواعق الدنيا في الشجاعة والقوة وله مع المهالبة وقائع مدهشة ، وكان عربيا مقيما مغرما وسيدا عزيزا وشعره في الحماسة كثير. له شعر في كتاب شعر الخوارج.