فصل : وقد تكون اسما بمعنى فوق مبنيّا وتقلب ألفها ياء مع الضمير كقول الشاعر (١) : [الطويل]
غدت من عليه بعدما تمّ ظمؤها |
|
تصلّ وعن قيض بزيزاء مجهل |
يعني : قطاة فارقت بيضها بعدما تمّ عطشها ، وإنّما بينت لنقصانها كما ذكرنا في (عن) وقلبت ألفها ياء حملا على حالها وهي حرف وألفها من واو ؛ لأنها من علا يعلو.
فصل : وأمّا (لام الجرّ) فمعناه الاختصاص وهذا يدخل فيه الملك وغيره ؛ لأن كلّ ملك اختصاص وما كلّ اختصاص ملكا ، وقولك : السرج للدّابة للاختصاص ولام التعليل كقولك : جئت لإكرامك للاختصاص أيضا لا للملك.
فصل : وتكسر هذه اللام مع المظهر غير المنادى وتفتح مع المضمر غير الياء ، وإنّما حرّكت وأصلها السكون ؛ لأنها مبتدأ بها ، وفي كسرها وجهان :
أحدهما : الفرق بيننها وبين لام الابتداء فإنّها في بعض المواضع تلتبس بها فجعل في نفسها ما يمنع من وقوع اللبس وأمن اللبس في المضمر فردّت إلى الأصل وكسرت مع الياء اتباعا ، وإنّما أمن اللبس مع المضمر ؛ لأن الضمير الواقع بعد لام الابتداء منفصل وبعد لام الجرّ متصّل واللفظان مختلفان.
والوجه الثاني : أنّ اللام تعمل الجرّ فجعلت حركتها من نفس عملها ومع المضمر لا عمل لها في اللفظ فخرجت على الأصل ، ولأنّ الضمائر تردّ الأشياء إلى أصولها.
فصل : وأمّأ (الباء) (٢) فللإلصاق في الأصل وتستعمل في غيره على التشبيه بالإلصاق كقولك : مررت بزيد ، أي : حاذيته والتصقت به. وتقول : أخذ بذنبه ، أي : ذنبه سبب لذلك
__________________
(١) البيت من شعر مزاحم العقيلي : (١٢٠ ه / ٧٣٨ م) وهو مزاحم بن الحارث ، أو مزاحم بن عمرو بن مرة بن الحارث ، من بني عقيل بن كعب ، من عامر بن صعصعة. شاعر غزل بدوي ، من الشجعان. كان في زمن جرير والفرزدق ، وسئل كل منهما أتعرف أحدا أشعر منك؟ فقال : الفرزدق لا ، إلا أن غلاما من بني عقيل يركب أعجاز الإبل وينعت الفلوات فيجيد. وأجاب جرير بما يشبه ذلك.
وقيل لذي الرمة : أنت أشعر الناس ، فقال : لا ، ولكن غلام من بني عقيل يقال له مزاحم ، يسكن الروضات ، يقول وحشيا من الشعر لا يقدر أحد أن يقول مثله. وأورد البغدادي والجمحي بعض محاسن شعره.