والثاني : أنّ (كم) اسم لعدد ؛ ولذلك يخبر عنها وتدخل عليها حروف الجرّ ، ولو جعل مكانها عهدد كثير أغنى عنها كقولك مائة رجل أو ألف رجل وربّ للتقليل والتقليل كالنفي ؛ ولذلك استعملوا (أقلّ) بمعنى النفي كقولهم : أقلّ رجل يقول ذاك إلا زيد ، أي : ما رجل.
فصل : وتضمر (ربّ) بعد الواو والجرّ بها ، وقال المبرّد والكوفيّون : الجرّ بالواو.
وحجّة الأوّلين : أنّ الواو في الأصل للعطف ، والعطف يكون للأسماء والأفعال والحروف فهي غير مختصة وما لا يختصّ لا يعمل إلا أن ينوب عن مختّص لا يظهر معه البتة ك (واو القسم) فإنّها تدخل على (الباء) وهما للقسم ، ومن هنا لم تعمل حروف العطف ؛ لأن العامل يظهر معها فكذلك : (واو ربّ) هي للعطف وتدخل على (ربّ) كما تدخل عليها :
(الفاء) و (بل) ، وقد أضمرت بعد : (الفاء) و (بل) ولم يقل أحدّ إنّهما تجرّان فكذلك الواو فمن (الفاء) قول الشاعر : [الوافر]
فإمّا تعرضنّ أميم عنّي |
|
وتنزعك الوشاة أولو النّياط |
فحور قد لهوت بهنّ عين |
|
نواعم في البرود ، وفي الرّياط |
ومن بل قول الراجز : [الرجز]
بل بلد ملء الفجاج قتمه |
|
لا يشترى كتانه وجهرمه |
فإن قيل : الواو قد تأتي في أوّل الكلام ، وليس هناك معطوف عليه؟
قيل : إن لم يكن المعطوف عليه في اللفظ فهو مقدّر وهذه وهذه طريقة للعرب في أشعارهم وفيما ذكرناه جواب عمّا يتعلقون به.
فصل : وإنّما وجب ل (ربّ) صدر الكلام ؛ لأنها تشبه حروف النفي إذ كانت للتقليل والقليل في حكم المنفيّ ، وإنّما اختصّت بالنكرة ؛ لأن القليل يتصوّر فيها دون المعرفة ، وإنّما لم تدخل على مضمر ؛ لأن الضمائر معارف ، وأمّا قولهم : (ربّه رجلا) فشاذّ مع أنّ هذا الضمير نكره ؛ لأنه لم يتقدم قبله ظاهر يرجع إليه بل وجب تفسيره بالنكرة بعده ولم يستعمل إلا مذكرا مفردا.
فصل : وتكفّ (ربّ) ب (ما) فتدخل على الفعل الماضي خاصّة ؛ لأنه تحقّق فأمّا قوله تعالى : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الحجر : ٢] ففيه وجهان :