على تقدير كونها مفردة فنفي دعوى التركيب تحكّم لا يعلم إلا بالخبر الصادق ثمّ دعوى التركيب تفسد من جهة أخرى ، وتلك الجهة هي ما يلزم من كثرة التغيير والحذف والشذوذ فالتغيير ضمّ الميم والحذف إسقاط النون والواو من (ذو) والألف من إذ ، وإسقاط أحد جزئي الصلة أو حذف الفعل الرافع على جهة اللزوم ، وذلك كلّه يخالف الأصول.
فصل : وتدخل (منذ) على الزمن الحاضر فتجرّه كقولك : أنت عندنا منذ اليوم وتقدّر ب (في) وتكون حرف جرّ فتتعلّق بالفعل الذي قبلها المظهر أو المقدّر ويكون الكلام جملة واحدة.
فأمّا دخولها على الماضي لابتداء الغاية أو تقدير المدّة فقليل في الاستعمال ولكن هو جائز في القياس.
وأمّا : (مذ) فتدخل على الماضي لابتداء مدّة الزمان أو بيان جملة المدّة فيرتفع ما بعدها وتدخل على الحاضر فتجرّه ؛ لأنها اسم فكان حكمها أوسع من حكم الحرف وجرّها الجميع جائز مثل : (منذ) ؛ لأنها تكون حرفا أيضا.
فصل : وإذا كانت للابتداء كان معرفة كقولك : ما رأيته مذ يوم الجمعة ؛ لأنه جواب متى ، وإذا كانت لتقدير المدّة كان ما بعدها عددا نكرة كقولك : ما رأيته منذ يومان.
فإن قيل : فما الفرق بينهما في المعنى؟
قيل له : التي للابتداء لا يمتنع معها أن تقع الرؤية في بعض اليوم المذكور ؛ لأن اللزوم أن تكون الرؤية قد انقطعت فيه واستمرّ الانقطاع إلى حين الإخبار به ، والتي تقدّر بعدها المدّة لا يجوز أن تكون الرؤية وجدت في بعضها ؛ لأن العدد جواب (كم) فكأنّك قلت : (كم زمن انقطاع الرؤية) فقال : يومان.
فإن قيل : ما الفرق بين رفع ما بعده وجرّه؟ قيل : من وجهين :
أحدهما : أنّك إذا رفعت كان الكلام جملتين عند الأكثرين ، وإذا جررت كانت واحدة كما في حروف الجرّ.
والثاني : أنّك إذا رفعت جاز أن تقع الرؤية في بعض ذلك الزمان ، وإذا جررت لم يجز.
فصل : واختلفوا في طريق الرفع ، فقال الكوفّيون فيه قولين :