واحّتج الآخرون بقوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) [الزمر : ٧٣] ف (الواو) زائدة والفعل جواب : (إذا) ؛ ولذلك لم تكن في الموضع الأول وقال الشاعر (١) : [الكامل]
حتى إذا قملت بطونكم |
|
ورأيتم أبناءكم شبّوا |
وقلبتم ظهر المجنّ لنا |
|
إنّ اللئيم العاجز الخبّ |
والجواب : أن جواب (إذا) في هذه المواضع محذوف ، فالتقدير في الآية حتّى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها عرفوا صحّة وما وعدوا وعاينوه ، وقد دلّ عليه قوله تعالى : (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ) [الزمر : ٧٤] والتقدير في البيت حتى إذا فعلتم هذه الأشياء عرف غدركم وفجوركم ولؤمكم.
وحذف الجواب كثير في القرآن والشعر فمنه قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ) [النور : ١٠] ، وفي هذه السورة : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) [النور : ٢٠] والتقدير لهلكتم وقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ) [الرعد : ٣١] أي : لكان هذا القرآن ، وحذف الجواب أبلغ في هذا المعنى من ذكره ولأنّ الموعودّ أو المتوعد إذا لم يذكر له جواب ذهب وهمه إلى أبلغ غايات الثواب والعقاب فيكون أبلغ في الطاعة والانزجار.
فصل : ومعنى الفاء ربط ما بعدها في بما قبلها فالعاطفة تربط بين المعطوف والمعطوف عليه فيما نسب إلى الأوّل إلا أنّها تدل على أنّ الثاني بعد الأوّل بلا مهلة ، وإذا وقعت جوابا علّقت ما بعدها بما في قبلها ، ومن هنا قال الفقهاء : تدلّ (الفاء) على أنّ ما قبلها سببّ لما بعدها ومعتبر فيه.
__________________
(١) الأبيات من شعر الأسود بن يعفر النهشلي : (٢٣ ق. ه / ٦٠٠ م) وهو الأسود بن يعفر النهشلي الدارمي التميمي ، أبو نهشل.
شاعر جاهلي ، من سادات تميم ، من أهل العراق ، كان فصيحا جوادا ، نادم النعمان ببن المنذر ، ولما أسن كفّ بصره ويقال له : أعشى بني نهشل.