فصل : وأمّا (لا) فتثبت الفعل للأوّل دون الثاني ، ولا يحسن إظهار العامل بعدها لئلّا يلتبس بالدعاء ، ألا ترى أنّك لو قلت : قام زيد لا قام عمرو ، لأشبه الدعاء عليه.
فصل : وإذا عطفت بالواو وزدت معها : (لا) أفادت المنع من الجميع كقولك : والله لا كلّمت زيدا ولا عمرا ، ولو حذفتها جاز أن تكّلم أحدهما ؛ لأن الواو للجمع وإعادة (لا) كإعادة الفعل فيصير الكلام بها جملتين.
فصل : وأمّا (بل) فتشرك بها في الإعراب وتضرب بها عن الأوّل نفيا كان أو إثباتا كقولك : ما قام زيد بل عمرو وقام زيد بل عمرو ، ومن هنا استعملت في الغلط ، وقد جاءت للخروج من قصّة إلى قصة كقوله تعالى : (أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ) ثمّ قال : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) [الشعراء : ١٦٥ ـ ١٦٦] ، وقيل : ههنا لا تدلّ على أنّ الأوّل لم يكن بل دلّت على الانتقال من حديث إلى حديث آخر ، وهذا كما يذكر الشاعر معاني ثمّ يقول : فعد عن ذلك ، أو : فدع ذا.
فصل : وأمّا : (لكن) فللاستدراك مشدّدة كانت أو مخففة وليست للغلط إلا أنّها في العطف مخفّفة البتّة وما بعدها مخالف لما قبلها ؛ لأن ذلك هو معنى الاستدراك ؛ ولهذا كان الاستثناء المنقطع مقدرا ب (لكن) ، وإذا كانت معها (الواو) فالعطف بها لا ب (لكن) فالاستدراك لازم والعطف عارض فيها.
فصل : ولا يعطف بها إلا بعد النفي وذهب الكوفّيون إلى العطف بها بعد الإثبات.
وحجّة الأوّلين : أنّ الاستدراك لازم لها والاستدراك لا يكون إلا المختلفين ؛ فإذا كان الأوّل نفيا كان الثاني إثباتا فيصح أن يقدر العامل بعدها كقولك : ما قام زيد لكن عمرو ، أي : لكن قام عمرو ولا يصح ذلك بعد الإثبات كقولك : قام زيد لكن عمرو ، لأنك إن قدرت لكن قام عمرو ، ولم يكن الثاني مخالفا للأوّل وإن قدرت لكن ما قام عمرو لم يصح لأنّك قدرت مع العامل ما ليس بعامل ، وحرف العطف إنّما ينوب عن العامل فقط ويدل على ذلك أنّك لو قلت : قام زيد لكن عمرو لم يقم ، كان جائزا فظهور النفي والفعل بعد الاسم دليل على أنّه لم يكن مقدرا بعد لكن.