واحتّج الآخرون بأن (لكن) ك (بل) في المعنى فكانت مثلها في العطف وهذا باطل لوجهين :
أحدهما : ما ذكرنا من اختلافهما في المعنى.
والثاني : أنّهما لو استويا في العطف لأدّى إلى الاشتراك ، والأصل أن ينفرد كل حرف بحكم ، وقد ذكرنا ما يبين به الفرق بين الحرفين في الفصل قبله.
فصل : وأمّا (أم) (١) فيعطف بها متصلة ومنقطعة فالمتّصلة هي المعادلة لحرف الاستفهام. ويقدّر الكلام فيها ب (أيّهما) كقولك : أزيد عندك أم عمرو ، أي : أيّهما عندك ، فإن كان بعد (أم) جملة تامة مخالفة للأولى كانت منقطعة كقولك : أزيد عندك أم عمرو في الدار ؛ لأن (أيّا) لا تقع ههنا ، وسببه أنّ (أيهما) اسم مفرد فالخبر عنه واحد ؛ فإذا اختلف الخبران لم يستند إلى أيّهما.
فصل : فإن كان مكان الهمزة (هل) كانت (أم) منقطعة كقولك : هل زيد عندك أم عمرو ؛ لأن (هل) لا تستعمل في الإثبات توبيخا بخلاف الهمزة ، ألا ترى إلى قول الراجز (٢) : [الرجز]
أطربا وأنت قنّسري
ولو قلت : هل تطرب وأنت شيخ؟! على التوبيخ لم يجز ، وكذلك لا تستعمل.
(هل) في التسوية ، والهمزة تستعمل فيها ، فلما كانت الهمزة أوسع تصرفا خصّت (أم) بمعادلتها.
فصل : وقد تأتي (أم) بمعنى : (بل والهمزة) ، وذلك بعد الخبر والاستفهام ، فمن الخبر : إنها لإبل أم شاء ، وذلك أنّه رأى شيئا من بعيد فظنه إبلا ثم بان خلاف ذلك ، فاستفهم بعد
__________________
(١) أم على نوعين : متّصلة ومنقطعة.
فالمتصلة هي التي يكون ما بعدها متّصلا بما قبلها ، ومشاركا له في الحكم وهي التي تقع بعد همزة الاستفهام أو همزة التسوية ، فالأول كقولك «أعليّ في الدار أم خالد؟» ، والثاني كقوله تعالى (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ.) وإنما سميت متصلة لأنّ ما قبلها وما بعدها لا يستغنى بأحدهما عن الآخر.
و «أم» المنقطعة هي التي تكون لقطع الكلام الأول واستئناف ما بعده. ومعناها الإضراب ، كقوله تعالى (هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ.) والمعنى «بل جعلوا لله شركاء» ، قال الفرّاء «يقولون هل لك قبلنا حقّ؟ أم أنت رجل ظالم» يريدون «بل أنت رجل ظالم» وتارة تتضمّن مع الإضراب استفهاما إنكاريّا ، كقوله تعالى (أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ.) ولو قدّرت «أم» في هذه الآية للاضراب المحض ، من غير تضمّن معنى الانكار ، لزم المحال.
(٢) من شعر العجاج بن رؤبة.