والثالث : أنه على زنة اسم الفاعل عدة وحركة وسكونا ف (يضرب) مثل ضارب في ذلك ويكرم مثل مكرم ، وقد شذّ عنه ينصب فهو نصب وبابه ولما أشبهه من هذه الأوجه الخاصّة أعطي حكما من أحكامه ؛ لأن ذلك قضاه الشّبه كما أنّ الاسم لمّا شابه الفعل منع الصرف.
فإن قيل : لم لم يجعل من أحكام الاسم غير الإعراب؟
قيل : الإعراب لا يغيّر معنى الفعل وغيره من أحكام الاسم تغيّر معنى الفعل فينبو عن قبوله.
مسألة : إعراب الفعل المضارع استحسان وقال الكوفيون أعرب كما أعرب الاسم واحتجّ الأولون بأنّ معنى الفعل واحد في كلّ حال وهو الدّلالة على الحدث وزمانه ولا يضاف إليه بالعامل الدّاخل عليه معنى آخر وإعراب الأسماء يفرق بين المعاني المختلفة الحادثة العارضة على المسمّى وإنما أعرب الفعل للشبه على ما تقدّم.
واحتجّ الآخرون بأنّ الإعراب في الفعل يفرق بين المعاني ألا ترى أنّ قولك : لا تأكل السمك وتشرب اللبن إذا جزمت الثاني : كان له معنى فإذا نصبته أو رفعته كان له معنى آخر وكذلك أريد أن أزورك فيمنعني البواب فالرفع يدلّ على خلاف ما يدل عليه النصب وكذلك لا يسعني شيء ويعجز عنك وكذلك لتضرب زيدا إن جزمت كان أمرا ، وإن نصبت كان علّة.
والجواب : إنّ اختلاف المعنى فيما ذكروا حاصل بالإعراب لا بعدم الإعراب فإنّك لو سكّنت في هذه المواضع كلّها لعرفت المعنى بدليل آخر فالواو في قولك : لا تأكل السمك وتشرب اللبن للعطف فيحتمل أن يعطف على لفظ الفعل الأوّل فيكون نهيا عنهما جميعا مجتمعين ومنفردين فعند ذلك يجزم على تقدير ولا تشرب اللبن ويحتمل أن تريد به العطف على الموضع ومعنى الجمع ولا يصحّ ذلك إلا بإرادة أن ليصير المعنى لا تجمع بين أكل السمك وشرب اللبن ولو ظهرت أن لفهم المعنى بدون الإعراب ، وكذلك لو ظهرت لا فاللّبس جاء من حذف العامل فأقمت الحركات مقام ظهوره لا أنّ معنى الفعل تغيّر بالعامل كما تغيّر الاسم بالفعل فيكون تارة فاعلا وتارة مفعولا والفعل مع عامله قد يكون له موضع الاسم المفرد المفتقر الى عامل ومن ها هنا كان الرفع في قولك : فيمنعني البواب هو الوجه لأنك لو نصبت عطفته على أزورك ، وذلك مراد والمنع ليس بمراد فيفسد المعنى بسبب العطف الموجب