والوجه الثاني : أن تكون «ما» زائدة ، و «إن» بمعنى «نعم» وزيادة «ما» كثيرا ، ووقوع «إن» بمعنى «نعم» كثير. فمنه قوله تعالى : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) [طه : ٦٣] ، في أحد القولين. ومنه قول ابن الزبير ، حين قال له رجل : لعن الله ناقة حملتني إليك ، فقال : «إنّ وراكبها» وهو كثير في الشعر.
فإن قيل : إنما يجيء ذلك بعد كلام تكون جوابا له ، ولم تسبق «ما» يجاب عليه : «نعم»؟
قيل : إن لم يسبق لفظا فهو سابق تقديرا ، فكأن قائلا قال للنبي صلىاللهعليهوسلم : «يرحم الله من عباده من يرحم الخلق ، وإن كان مقصرا فيما بينه وبين الله تعالى ، فقال : نعم». وهذا مما يجوز أن يسأل عنه.
وأما الرفع : فجائز جوازا حسنا. وفيه عده أوجه :
أحدها : أن تكون «ما» ، بمعنى الذي ، والعائد إليها محذوف ، و «الرحماء» خبر «إن» ، والتقدير : إن الفريق الذي يرحمهالله من عباده الرحماء.
فإن قيل : يلزم من ذلك أن تكون «ما» هنا لمن يعقل؟
ففيه جوابان : أحدهما : أن «ما» قد استعملت بمعنى «من» كقوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) [النساء : ٣] ، وهو كثير في القرآن. ومنه : (وَالسَّماءِ وَما بَناها (٥) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها) [الشمس : ٥ ـ ٦] ،. في أصح القولين ، وحكى أبو زيد عن العرب : سبحان ما سبحتنّ له.
وسبحان ما سخركن لنا.
والثاني : أن «ما» تقع بمعنى «الذي» بلا خلاف ، و «الذي» تستعمل فيمن يعقل ، وفيمن لا يعقل. وإنما يعرف ذلك بما يتصل بها ، وكذلك في «ما» لا سيما إذا اتصل بها ما يصير وصفا ، وإنما تفترق «ما» والذي «في» أن «الذي» يوصف بلفظها ، و «ما» لا يوصف بلفظها.
فإن قيل : كيف يصح هذا؟ والرحماء جمع ، صلىاللهعليهوسلم «ما» بمعنى «الذي» مفردة ، والمفرد لا يخبر عنه بالجمع؟.