قيل : «ما» يجوز أن يخبر عنها بلفظ المفرد تارة ، وبلفظ الجمع أخرى ، مثل للأمن «وكل» قال تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) [الأنعام : ٢٥] ، وقال في آية أخرى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) [يونس : ٤٢] وكذلك قوله تعالى : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة : ١١٢] ، وقال في«كل» (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) [النمل : ٨٧] ، (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) [مريم : ٩٥] ، فالإفراد محمول على لفظ «من» و «ما» و «كل» والجمع محمول على معانيها.
وأما «الذي» فقد استعملت مفردة للجنس ، ورجع الضمير تارة إلى لفظها مفردا ، وتارة إلى معناها مجموعا ، قال تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) [البقرة : ١٧] ، فجاء بالضمير مفردا ومجموعا ، وقال تعالى : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [الزمر : ٣٣] ، فأعاد الضمير بلفظ الجمع ، فكذلك في قوله : «إنما يرحم الله من عباده الرحماء» ، ولك على هذا الوجه أن تجعل «إن» العاملة ، وأن تجعلها بمعنى «نعم» على ما سبق.
الوجه الثاني من وجوه «ما» التي يجوز معها رفع «الرحماء» : أن تكون «ما» نكرة موصوفة في موضع : فريق أو قبيل ، و «يرحم» صفة لها ، و «الرحماء» الخبر ، والعائد من الصفة إلى الموصوف محذوف ، تقديره : إن فريقا يرحمهالله : الرحماء.
فإن قيل : كيف يصح الابتداء بالنكرة ، والإخبار بالمعرفة عنها؟
قيل : النكرة هنا قد خصصت بالوصف ، والرحماء لا يقصد بهم قصد قوم بأعيانهم.
فكان فيه كذلك نوع إيهام. فلما قرنت النكرة هنا بالصفة من المعرفة ، وقرنت المعرفة من النكرة بما فيها من إبهام ، صح الإخبار بها عنها ، على أن كثيرا من النكرات يجري مجرى المعارف في باب الأخبار إذا حصلت من ذلك فائحة ، والفائحة هنا حاصلة.
الوجه الثالث : أن تكون «ما» مصدرية ، وفي تصحيح الإخبار عنها بالرحماء ثلاثة أوجه.
أحدها : أن يكون المصدر هنا بمعنى المفعول ، تقديره : إن مرحوم الله من عباده الرحماء. ومنه (هذا خَلْقُ اللهِ) [لقمان : ١٣] ، أي مخلوقه. وقال أبو علي : لك أن تجعل «ما» من