فصل : ولم تجرّ الأفعال لستّة أوجه :
أحدها : أنّ الجرّ في الأسماء ليس بأصل ؛ إذ كان الأصل الرفع للفاعل وما حمل عليه ، والنصب للمفعول وما حمل عليه ، وأمّا الجرّ فبالحرف وما قام مقامه ، وموضع الجارّ والمجرور رفع ونصب ، فحمل الفعل على الاسم فيما هو أصل فيه.
والثاني : أنّ الفعل محمول على الاسم في الإعراب ، فينبغي أن يحمل عليه في أضعف أحواله وعامل الرفع في الأسماء قويّ : وهو اللفظيّ ، وضعيف : وهو المعنويّ ، فحمل الفعل في الرفع على العامل الضعيف فارتفع الفعل لوقوعه موقع الاسم (١) ، وكذلك عامل النصب في الأسماء قويّ وهو الفعل ، وضعيف وهو الحرف ، فحمل الفعل عليه في العامل الضعيف فلم يفعل في الفعل إلّا الحرف ، وأمّا الجرّ فليس له إلا عامل واحد وهو الحرف ، وأمّا الإضافة فمقدّرة بحرف الجرّ فليس للجرّ إلا عامل واحد فلم يكن حمل الفعل عليه إذ يلزم مساواته له.
والوجه الثالث : أنّ إعراب الفعل فرع على إعراب الاسم ، ولو أعرب بالجرّ ، وقد أعرب بالرفع والنصب لكان الفرع مساويا للأصل.
والرابع : أنّ الجزم دخل الأفعال وتعذّر دخوله على الأسماء لما تقدّم ، فلو جرّت الأفعال لزادت على الأسماء في الإعراب.
الخامس : أنّ الجرّ يكون بالإضافة ، والإضافة توجب أن يكون المضاف إليه داخلا في المضاف معاقبا للتنوين ، وليس من قوّة التنوين أن يقع موقعه الفعل والفاعل ، وفي امتناع الإضافة إلى الأفعال أوجه يطول ذكرها ، وسنذكرها في باب الإضافة إن شاء الله.
والسادس : أنّ الجرّ يكون بعامل لا يصحّ معناه في الفعل.
فصل : وألقاب البناء أربعة على عدّة ألقاب الإعراب ، فالضمّ في البناء كالرفع في المعرب ، والفتح كالنّصب ، والكسر كالجرّ ، والوقف كالجزم ، فأمّا ما يبنى على هذه الأشياء من الكلام فسنذكره بعد الفراغ من المعرب إن شاء الله تعالى.
__________________
(١) إعراب الفعل استحسان لشبهه بالاسماء ، وأما اختلاف الإعراب واتفاق المعنى وعكس ذلك فلا يلزم لان هذه الأشياء فروع عارضة حملت على الاصول المعللة لضرب من الشبه وذلك لا يمنع من ثبوت الإعراب لمعنى.