والجواب عن الأوّل من وجهين :
أحدهما : أنّ ما ذكروه لو صحّ لم يكن التنوين من الصرف ؛ لأنه ليس من وجوه تقليب الكلمة بل هو تابع لما هو تقليب.
والثاني : أنّ الرفع والنصب تقليب ، وليس من الصرف ، وأما الثاني فلا يصحّ أيضا ؛ لأن الألف اللام وغيرها من خصائص الاسم لا تمّسى صرفا ، وكذلك الجرّ.
فصل : إنّما زادوا التنوين في المنصرف دون غيره من الحروف ؛ لأن حروف المدّ تعدّدت زيادتها لما فيها من الثقل وما يلحقها من التغيير بحسب ما قبلها من الحركات والنون أشبه بحروف المدّ لما فيها من الغنّة ويؤمن فيها ما خيف من حروف المدّ.
فصل : والتنوين مصدر : (نوّنت) ، وحقيقته نون ساكنة تزاد في آخر الاسم المعرب ويثبت في الوصل دون الوقف ، وإنّما سميّ تنوينا لوجهين :
أحدهما : أنّه حادث بفعل الناطق به ، وليس من سنخ الكلمة.
والثاني : أنّهم فرّقوا بين النون الثابتة وصلا ووقفا وبين هذه النون.
فصل : واختلفوا في علّة زيادة التنوين (١) على أربعة أقوال :
أحدها : أنّه زيد علامة على خفّة الاسم وتمكّنه في باب الاسمّية وهو قول سيبويه ، وذلك أنّ ما يشبه الفعل من الأسماء يثقل ولا يحتمل الزيادة ، وما يشبه الحرف يبنى وما عري من شبههما يأتي على خفّته ، فالزيادة عليه تشعر بذلك إذ الثقيل لا يثقّل.
والقول الثاني : أنّه فرّق بين المنصرف وغير المنصرف وهو قول الفرّاء وهذا يرجع إلى قول سيبويه إلا أنّ العبارة مضطربة ؛ لأن معناها أنّ النون فرّق بها بين ما ينوّن وبين ما لا ينون وذا تعليل الشيء بنفسه.
والقول الثالث : أنّ التنوين فرّق به بين الاسم والفعل ، وهذا فاسد لوجهين :
أحدهما : أنّ ما لا ينصرف اسم ومع هذا لا ينوّن.
__________________
(١) العلة في زيادة تنوين الصرف على الاسم أنه أريد بذلك بيان خفة الاسم وثقل الفعل وقال الفراء : المراد به الفرق بين المنصرف وغير المنصرف. وقال آخرون : المراد به الفرق بين الاسم والفعل. وقال قوم : المراد به الفرق بين المفرد والمضاف.