البيض (١) فقال له : ان هذا اللباس ليس من لباسك فقال له : اسمع منى ودع ما أقول لك ، فانه خير لك عاجلا وآجلا ، ان أنت مت على السنة والحق ولم تمت على بدعة أخبرك ان رسول الله صلىاللهعليهوآله كان في زمان مقفر جدب (٢) فاما إذا أقبلت الدنيا فأحق أهلها بها أبرارها لا فجارها ، ومؤمنوها لا منافقوها ، ومسلموها لا كفارها ، فلما أنكرت يا ثوري فو الله اننى لمع ما ترى ما أتى على منذ عقلت صباح ولا سماء ولله في مالي حق أمرني ان أضعه موضعا الا وضعته ، قال : وأتاه قوم ممن يظهر الزهد ويدعوا الناس ان يكونوا معهم على مثل الذي هم عليه من التقشف (٣) فقالوا له : ان صاحبنا حصر عن كلامك ولم يحضره حجة ، فقال لهم فهاتوا حججكم فقالوا له : ان حججنا من كتاب الله فقال لهم : فأدلوا بها فانها أحق ما اتبع وعمل به ، فقالوا : يقول الله تبارك وتعالى مخبرا عن قوم من أصحاب النبيصلىاللهعليهوآله : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فمدح فعلهم وقال في موضع آخر : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) فنحن نكتفي بهذا ، فقال رجل من الجلساء : انا رأيناكم تزهدون في الاطعمة الطيبة ومع ذلك تأمرون الناس بالخروج من أموالهم حتى تمتعوا أنتم منها فقال له ابو عبد اللهعليهالسلام دعوا عنكم علم ما ينتفع به أخبرونى أيها النفر ألكم علم بناسخ القرآن من منسوخه ومحكمه من متشابه الذي في مثله ضل من ضل وهلك من هلك من هذه الامة؟ فقالوا له : أو بعضه فاما كله فلا. فقال لهم : فمن هاهنا أتيتم ، وكذلك أحاديث رسول الله واما ما ذكرتم من اخبار الله عزوجل إيانا في كتابه عن القوم الذين أخبر عنهم بحسن فعالهم فقد كان مباحا جائزا ولم يكونوا نهوا عنه وثوابهم منه على الله عزوجل ، وذلك ان الله جل وتقدس امر بخلاف ما عملوا به فصار أمره ناسخا لعملهم ، وكان نهى الله تبارك وتعالى رحمة منه للمؤمنين ونظرا لكي لا يضروا بأنفسهم وعيالاتهم منهم الضعفة الصغار و
__________________
(١) الغرقئ : القشرة الملتزقة ببياض البيض ، وقيل : البياض الذي يؤكل.
(٢) أقفر المكان : خلا من الماء والكلاء والناس والجدب : القحط.
(٣) تقشف الرجل : قذر جادة ولم يتعهد النظافة. وأصل القشف خشونة العيش وشدته.