وهذا تمهيد لإبطال أثر صيغة الظهار في تحريم الزوجة ، بما يشير إلى أن الأمومة حقيقة ثابتة لا تصنع بالقول إذ القول لا يبدل حقائق الأشياء ، كما قال تعالى في سورة الأحزاب [٤] : (ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ) ولذلك أعقب هنا بقوله : (إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ) أي فليست الزوجات المظاهر منهن بصائرات أمهات بذلك الظهار لانعدام حقيقة الأمومة منهن إذ هن لم يلدن القائلين : أنت عليّ كظهر أمي ، فلا يحرمن عليهم ، فالقصر في الآية حقيقي ، أي فالتحريم بالظهار أمر باطل لا يقتضيه سبب يؤثّر إيجاده.
وجملة (إِنْ أُمَّهاتُهُمْ) إلخ واقعة موقع التعليل لجملة (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) ، وهو تعليل للمقصود من هذا الكلام. أعني إبطال التحريم بلفظ الظهار ، إذ كونهن غير أمهاتهم ضروري لا يحتاج إلى التعليل.
وزيد صنيعهم ذمّا بقوله : (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) توبيخا لهم على صنيعهم ، أي هو مع كونه لا يوجب تحريم المرأة هو قول منكر ، أي قبيح لما فيه من تعريض حرمة الأم لتخيّلات شنيعة تخطر بمخيلة السامع عند ما يسمع قول المظاهر : أنت عليّ كظهر أمّي. وهي حالة يستلزمها ذكر الظهر في قوله : «كظهر أمي».
وأحسب أن الفكر الذي أملى صيغة الظهار على أوّل من نطق بها كان مليئا بالغضب الذي يبعث على بذيء الكلام مثل قولهم : امصص بظر أمك في المشاتمة ، وهو أيضا قول زور لأنه كذب إذ لم يحرمها الله. وقد قال تعالى في سورة الأحزاب [٤] : (وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ).
وتأكيد الخبر ب (إِنْ) واللام ، للاهتمام بإيقاظ الناس لشناعته إذ كانوا قد اعتادوه فنزلوا منزلة من يتردد في كونه منكرا أو زورا ، وفي هذا دلالة على أن الظهار لم يكن مشروعا في شرع قديم ولا في شريعة الإسلام ، وأنه شيء وضعه أهل الجاهلية كما نبه عليه عدّه مع تكاذيب الجاهلية في قوله تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ). وقد تقدم في سورة الأحزاب [٤].
وبعد هذا التوبيخ عطف عليه جملة (وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ) كناية عن عدم مؤاخذتهم بما صدر منهم من الظهار قبل هذه الآية ، إذ كان عذرهم أن ذلك قول تابعوا فيه أسلافهم وجرى على ألسنتهم دون تفكر في مدلولاته. وأما بعد نزول هذه الآية فمذهب المالكية : أن حكم إيقاعه الحرمة كما صرح به ابن راشد القفصي في «اللّباب» لقوله بعده : (وَتِلْكَ