المعنى الثاني : أن يكون من الحسم وهو القطع ، أي حاسمة مستأصلة. ومنه سمي السيف حساما لأنه يقطع ، أي حسمتهم فلم تبق منهم أحدا ، وعلى هذين المعنيين فهو صفة ل (سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ) أو حال منها.
المعنى الثالث : أن يكون حسوم مصدرا كالشكور والدخول فينتصب على المفعول لأجله وعامله (سَخَّرَها) ، أي سخرها عليهم لاستئصالهم وقطع دابرهم.
وكل هذه المعاني صالح لأن يذكر مع هذه الأيام ، فإيثار هذا اللفظ من تمام بلاغة القرآن وإعجازه.
وقد سمّى أصحاب الميقات من المسلمين أياما ثمانية منصّفة بين أواخر فبراير وأوائل مارس معروفة في عادة نظام الجو بأن تشتد فيها الرياح غالبا ، أيام الحسوم على وجه التشبيه ، وزعموا أنها تقابل أمثالها من العام الذي أصيبت فيه عاد بالرياح ، وهو من الأوهام ، ومن ذا الذي رصد تلك الأيام.
ومن أهل اللغة من زعم أن أيام الحسوم هي الأيام التي يقال لها : أيام العجوز أو العجز ، وهي آخر فصل الشتاء ويعدها العرب خمسة أو سبعة لها أسماء معروفة مجموعة في أبيات تذكر في كتب اللغة ، وشتان بينها وبين حسوم عاد في العدة والمدة.
وفرع على (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ) أنهم صاروا صرعى كلهم يراهم الرائي لو كان حاضرا تلك الحالة.
والخطاب في قوله : (فَتَرَى) خطاب لغير معين ، أي فيرى الرائي لو كان راء ، وهذا أسلوب في حكاية الأمور العظيمة الغائبة تستحضر فيه تلك الحالة كأنها حاضرة ويتخيل في المقام سامع حاضر شاهد مهلكهم أو شاهدهم بعده ، وكلا المشاهدتين منتف في هذه الآية ، فيعتبر خطابا فرضيا فليس هو بالتفات ولا هو من خطاب غير المعين ، وقريب منه قوله تعالى : (وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِ) [الشورى : ٤٥] ، وقوله : (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً) [الإنسان : ٢٠] ، وعلى دقة هذا الاستعمال أهمل المفسرون التعرض له عدا كلمة للبيضاوي.
والتعريف في (الْقَوْمَ) للعهد الذّكري ، والقوم : القبيلة وهذا تصوير لهلاك جميع القبيلة.
وضمير (فِيها) عائد إلى الليالي والأيام.