والمراد بفرعون فرعون الذي أرسل إليه موسى عليهالسلام وهو (منفطاح الثاني). وإنما أسند الخطء إليه لأن موسى أرسل إليه ليطلق بني إسرائيل من العبودية قال تعالى : (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) [النازعات : ١٧] فهو المؤاخذ بهذا العصيان وتبعه القبط امتثالا لأمره وكذبوا موسى وأعرضوا عن دعوته.
وشمل قوله : (وَمَنْ قَبْلَهُ) أمما كثيرة منها قوم نوح وقوم إبراهيم.
وقرأ الجمهور (وَمَنْ قَبْلَهُ) بفتح القاف وسكون الباء. وقرأ أبو عمرو والكسائي ويعقوب بكسر القاف وفتح الباء ، أي ومن كان من جهته ، أي قومه وأتباعه.
و (الْمُؤْتَفِكاتُ) : قرى لوط الثلاث ، وأريد بالمؤتفكات سكانها وهم قوم لوط وخصوا بالذكر لشهرة جريمتهم ولكونهم كانوا مشهورين عند العرب إذ كانت قراهم في طريقهم إلى الشام ، قال تعالى : (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [الصافات : ١٣٧ ، ١٣٨] وقال : (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها) [الفرقان : ٤٠].
ووصفت قرى قوم لوط ب (الْمُؤْتَفِكاتُ) جمع مؤتفكة اسم فاعل ائتفك مطاوع أفكه ، إذا قلبه ، فهي المنقلبات ، أي قلبها قالب ، أي خسف بها قال تعالى : (جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها) [هود : ٨٢].
والخاطئة : إمّا مصدر بوزن فاعلة وهاؤه هاء المرة الواحدة فلما استعمل مصدرا قطع النظر عن المرة ، كما تقدم في قوله : (الْحَاقَّةُ) [الحاقة : ١] فهو مصدر خطئ ، إذا أذنب. والذنب : الخطء بكسر الخاء ، وإما اسم فاعل خطئ وتأنيثه بتأويل : الفعلة ذات الخطء فهاؤه هاء تأنيث.
والتعريف فيه تعريف الجنس على كلا الوجهين ، فالمعنى : جاء كل منهم بالذنب المستحق للعقاب. وفرع عنه تفصيل ذنبهم المعبر عنه بالخاطئة فقال (فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ) وهذا التفريع للتفصيل نظير التفريع في قوله : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ) [القمر : ٩] في أنه تفريع بيان على المبيّن.
وضمير (عصوا) يجوز أن يرجع إلى (فِرْعَوْنُ) باعتباره رأس قومه ، فالضمير عائد إليه وإلى قومه ، والقرينة ظاهرة على قراءة الجمهور ، وإما على قراءة أبي عمرو والكسائي فالأمر أظهر وعلى هذا الاعتبار في محل ضمير (عصوا) يكون المراد ب (رَسُولَ رَبِّهِمْ)