والعيشة : حالة العيش وهيئته.
ووصف (عِيشَةٍ) ب (راضِيَةٍ) مجاز عقلي لملابسة العيشة حالة صاحبها وهو العائش ملابسة الصفة لموصوفها.
والراضي : هو صاحب العيشة لا العيشة ، لأن (راضِيَةٍ) اسم فاعل رضيت إذا حصل لها الرضى وهو الفرح والغبطة.
والعيشة ليست راضية ولكنها لحسنها رضي صاحبها ، فوصفها ب (راضِيَةٍ) من إسناد الوصف إلى غير ما هو له وهو من المبالغة لأنه يدل على شدة الرضى بسببها حتى سرى إليها ، ولذلك الاعتبار أرجع السكاكي ما يسمى بالمجاز العقلي إلى الاستعارة المكنية كما ذكر في عالم البيان.
و (فِي) للظرفية المجازية وهي الملابسة.
وجملة (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) بدل اشتمال من جملة (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ).
والعلوّ : الارتفاع وهو من محاسن الجنّات لأن صاحبها يشرف على جهات من متسع النظر ولأنه يبدو له كثير من محاسن جنته حين ينظر إليها من أعلاها أو وسطها مما لا يلوح لنظره لو كانت جنته في أرض منبسطة ، وذلك من زيادة البهجة والمسرة ، لأن جمال المناظر من مسرات النفس ومن النعم ، ووقع في شعر زهير :
كأن عينيّ في غربي مقتّلة |
|
من النواضح تسقي جنّة سحقا |
فقد قال أهل اللغة : يجوز أن يكون سحقا ، نعتا للجنة بدون تقدير كما قالوا : ناقة علط وامرأة عطل. ولم يعرجوا على معنى السّحق فيها وهو الارتفاع لأن المرتفع بعيد ، وقالوا : سحقت النخلة ككرم إذا طالت. وفي القرآن (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ) [البقرة : ٢٦٥].
وجوزوا أن يراد أيضا بالعلو علوّ القدر مثل فلان ذو درجة رفيعة ، وبذلك كان للفظ (عالِيَةٍ) هنا ما ليس لقوله : (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ) لأن المراد هنالك جنة من الدنيا.
والقطوف : جمع قطف بكسر القاف وسكون الطاء ، وهو الثمر ، سمي بذلك لأنه يقطف وأصله فعل بمعنى مفعول مثل ذبح.
ومعنى دنوها : قربها من أيدي المتناولين لأن ذلك أهنأ إذ لا كلفة فيه ، قال تعالى : (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً) [الإنسان : ١٤].