وجميع نحاة الكوفة. فيفيد أن الإيمان يجبّ ما قبله في شريعة نوح مثل شريعة الإسلام.
ويجوز أن تكون (مِنْ) للتبعيض ، عند من أثبت ذلك وهو اختيار التفتازانيّ ، أي يغفر لكم بعض ذنوبكم ، أي ذنوب الإشراك وما معه ، فيكون الإيمان في شرع نوح لا يقتضي مغفرة جميع الذنوب السابقة ، وليس يلزم تماثل الشرائع في جميع الأحكام الفرعية ، ومغفرة الذنوب من تفاريع الدين وليست من أصوله. وقال ابن عطية : معنى التبعيض : مغفرة الذنوب السابقة دون ما يذنبون من بعد. وهذا يتم ويحسن إذا قدرنا أن شريعة نوح تشتمل على أوامر ومنهيات عملية فيكون ذكر (مِنْ) التبعيضية اقتصادا في الكلام بالقدر المحقق.
وأما قوله : (وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) فهو وعد بخير دنيوي يستوي الناس في رغبته ، وهو طول البقاء فإنه من النعم العظيمة لأن في جبلة الإنسان حب البقاء في الحياة على ما في الحياة من عوارض ومكدرات. وهذا ناموس جعله الله تعالى في جبلة الإنسان لتجري أعمال الناس على ما يعين على حفظ النوع. قال المعري :
وكلّ يريد العيش والعيش حتفه |
|
ويستعذب اللذات وهي سمام |
والتأخير : ضد التعجيل ، وقد أطلق التأخير على التمديد والتوسيع في أجل الشيء.
وقد أشعر وعده إياهم بالتأخير أنه تأخير مجموعهم ، أي مجموع قومه لأنه جعل جزاء لكل من عبد الله منهم واتقاه وأطاع الرسول ، فدل على أنه أنذرهم في خلال ذلك باستئصال القوم كلهم ، وأنهم كانوا على علم بذلك كما أشار إليه قوله : (أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [نوح : ١] كما تقدم آنفا ، وكما يفسره قوله تعالى في سورة هود [٣٨] (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ) أي سخروا من الأمر الذي يصنع الفلك للوقاية منه وهو أمر الطوفان ، فتعين أن التأخير المراد هنا هو عدم استئصالهم. والمعنى : ويؤخر القوم كلهم إلى أجل مسمى وهو آجال إشخاصهم وهي متفاوتة.
والأجل المسمى : هو الأجل المعين بتقدير الله عند خلقة كل أحد منهم ، فالتنوين في (أَجَلٍ) للنوعية ، أي الجنس ، وهو صادق على آجال متعددة بعدد أصحابها كما قال تعالى : (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) [الحج : ٥].
ومعنى (مُسَمًّى) أنه محدد معيّن وهو ما في قوله تعالى : (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) في