قوله : (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى).
ويحتمل أن تكون الجملة تعليلا لكلا الأجلين : الأجل المفاد من قوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [نوح : ١] فإن لفظ (قَبْلِ) يؤذن بأن العذاب موقت بوقت غير بعيد فله أجل مبهم غير بعيد ، والأجل المذكور بقوله : (وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) فيكون أجل الله صادقا على الأجل المسمى وهو أجل كل نفس من القوم.
وإضافته إلى الله إضافة كشف ، أي الأجل الذي عينه الله وقدره لكل أحد.
وبهذا تعلم أنه لا تعارض بين قوله : (وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) وبين قوله : (إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ) إما لاختلاف المراد بلفظيّ (الأجل) في قوله : (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) وقوله : (إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ) ، وإما لاختلاف معنيي المجيء ومعنيي التأخير في قوله : (إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ) فانفكت جهة التعارض.
أما مسألة تأخير الآجال والزيادة في الأعمار والنقص منها وتوحيد الأجل عندنا واضطراب أقوال المعتزلة في هل للإنسان أجل واحد أو أجلان فتلك قضية أخرى ترتبط بأصلين : أصل العلم الإلهي بما سيكون ، وأصل تقدير الله للأسباب وترتّب مسبباتها عليها.
فأما ما في علم الله فلا يتغير قال تعالى : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ) [فاطر : ١١] أي في علم الله ، والناس لا يطلعون على ما في علم الله.
وأما وجود الأسباب كلها كأسباب الحياة ، وترتب مسبباتها عليها فيتغير بإيجاد الله مغيّرات لم تكن موجودة إكراما لبعض عباده أو إهانة لبعض آخر. وفي الحديث صدقة المرء المسلم تزيد في العمر. وهو حديث حسن مقبول. وعن علي عن النبي صلىاللهعليهوسلم من سره أن يمد في عمره فليتق الله وليصل رحمه. وسنده جيد. فآجال الأعمار المحددة بالزمان أو بمقدار قوة الأعضاء وتناسب حركاتها قابلة للزيادة والنقص. وآجال العقوبات الإلهية المحددة بحصول الأعمال المعاقب عليها بوقت قصير أو فيه مهلة غير قابلة للتأخير وهي ما صدق قوله : (إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ) وقد قال الله تعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) [الرعد : ٣٩] على أظهر التأويلات فيه وما في علم الله من ذلك لا يخالف ما يحصل في الخارج.
فالذي رغّب نوح قومه فيه هو سبب تأخير آجالهم عند الله فلو فعلوه تأخرت آجالهم