إلقائها لأن الحالة أشد ملابسة بصاحبها من ملابسة زمانه. فذكر أنه دعاهم جهارا ، أي علنا.
وجهار : اسم مصدر جهر ، وهو هنا وصف لمصدر (دَعَوْتُهُمْ) ، أي دعوة جهارا.
وارتقى فذكر أنه جمع بين الجهر والإسرار لأن الجمع بين الحالتين أقوى في الدعوة وأغلظ من إفراد إحداهما. فقوله : (أَعْلَنْتُ لَهُمْ) تأكيد لقوله : (دَعَوْتُهُمْ جِهاراً) ذكر ليبنى عليه عطف (وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً).
والمعنى : أنه توخى ما يظنه أوغل إلى قلوبهم من صفات الدعوة ، فجهر حين يكون الجهر أجدى مثل مجامع العامة ، وأسرّ للذين يظنهم متجنبين لوم قومهم عليهم في التصدّي لسماع دعوته وبذلك تكون ضمائر الغيبة في قوله (دَعَوْتُهُمْ) ، وقوله : (أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ) موزعة على مختلف الناس.
وانتصب (جِهاراً) بالنيابة عن المفعول المطلق المبيّن لنوع الدعوة.
وانتصب (إِسْراراً) على أنه مفعول مطلق مفيد للتوكيد ، أي إسرارا خفيا.
ووجه توكيد الإسرار أن إسرار الدعوة كان في حال دعوته سادتهم وقادتهم لأنهم يمتعضون من إعلان دعوتهم بمسمع من أتباعهم.
وفصّل دعوته بفاء التفريع فقال (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) فهذا القول هو الذي قاله لهم ليلا ونهارا وجهارا وإسرارا.
ومعنى (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) ، آمنوا إيمانا يكون استغفارا لذنبكم فإنكم إن فعلتم غفر الله لكم.
وعلّل ذلك لهم بأن الله موصوف بالغفران صفة ثابتة تعهد الله بها لعباده المستغفرين ، فأفاد التعليل بحرف (إنّ) وأفاد ثبوت الصفة لله بذكر فعل (كانَ) وأفاد كمال غفرانه بصيغة المبالغة بقوله (غَفَّاراً).
وهذا وعد بخير الآخرة ورتب عليه وعدا بخير الدنيا بطريق جواب الأمر ، وهو (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ) الآية.
وكانوا أهل فلاحة فوعدهم بنزول المطر الذي به السلامة من القحط وبالزيادة في الأموال.