مسسنا من الآباء شيئا فكلّنا |
|
إلى نسب في قومه غير واضع |
أي اختبرنا نسب آبائنا وآبائكم فكنا جميعا كرام الآباء.
و (مُلِئَتْ) : مستعمل في معنى كثر فيها. وحقيقة الملء عمر فراغ المكان أو الإناء بما يحل فيه ، فأطلق هنا على كثرة الشهب والحراس على وجه الاستعارة.
والحرس : اسم جمع للحرّاس ولا واحد له من لفظه مثل خدم ، وإنما يعرف الواحد منه بالحرسيّ. ووصف بشديد وهو مفرد نظرا إلى لفظ حرس كما يقال : السلف الصالح ، ولو نظر إلى ما يتضمنه من الآحاد لجاز أن يقال : شداد. والطوائف من الحرس أحراس.
والشهب : جمع شهاب وهو القطعة التي تنفصل عن بعض النجوم فتسقط في الجو أو في الأرض أو البحر وتكون مضاءة عند انفصالها ثم يزول ضوؤها ببعدها عن مقابلة شعاع الشمس وتسمى الواحد منها عند علماء الهيئة نيزكا باسم الرمح القصير ، وقد تقدم الكلام عليها في أول سورة الصافات.
والمعنى : إننا اختبرنا حال السماء لاستراق السمع فوجدناها كثيرة الحراس من الملائكة وكثيرة الشهب للرّجم ، فليس في الآية ما يؤخذ منه أن الشهب لم تكن قبل بعث النبيصلىاللهعليهوسلم كما ظنه الجاحظ فإن العرب ذكروا تساقط الشهب في بعض شعرهم في الجاهلية. كما قال في «الكشاف» وذكر شواهده من الشعر الجاهلي.
نعم يؤخذ منها أن الشهب تكاثرت في مدة الرسالة المحمدية حفظا للقرآن من دسائس الشياطين كما دل عليه قوله عقبه (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) وسيأتي بيان ذلك.
وهذا الكلام توطئة وتمهيد لقولهم بعده : (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ) إلى آخره ، إذ المقصود أن يخبروا من لا خبر عنده من نوعهم بأنهم قد تبينوا سبب شدة حراسة السماء وكثرة الشهب ، وأما نفس الحراسة وكثرة الشهب فإن المخبرين (بفتح الباء) يشاهدونه.
وقوله : (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ) إلخ قرأه بكسر الهمزة الذين قرءوا بالكسر قوله : (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ) وبفتح الهمزة الذين قرءوا بالفتح وهذا من تمام قولهم: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً). وإنما أعيد معه كلمة (وَأَنَّا) للدلالة على أن الخبر الذي تضمنه هو المقصود وأن ما قبله كالتوطئة له فإعادة (وَأَنَّا)