لزالت تلك الهجنة ا ه. وأقول : إن لمصطلحات الناس في استعمال الكلمات أثرا في وقع الكلمات عند الأفهام.
والفاء التي فرعت (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) تفريع على محذوف دل عليه فعل (كُنَّا) وترتب الشرط وجزائه عليه وتقديره : كنا نقعد منها (أي من السماء) مقاعد للسمع فنستمع أشياء فمن يستمع الآن لا يتمكّن من السماع.
وكلمة (الْآنَ) مقابل كلمة (كُنَّا) ، أي كان ذلك ثم انقضى.
وجيء بصيغة الشرط وجوابه في التفريع لأن الغرض تحذير إخوانهم من التعرض للاستماع لأن المستمع يتعرض لأذى الشهب.
والجنّ لا تنكف عن ذلك لأنهم منساقون إليه بالطبع مع ما ينالهم من أذى الرجم والاحتراق ، شأن انسياق المخلوقات إلى ما خلقت له مثل تهافت الفراش على النار ، لاحتمال ضعف القوة المفكرة في الجن بحيث يغلب عليها الشهوة ، ونحن نرى البشر يقتحمون الأخطار والمهالك تبعا للهوى مثل مغامرات الهواة في البحار والجبال والثلوج.
ووقع (شِهاباً) في سياق الشرط يفيد العموم لأن سياق الشرط بمنزلة سياق النفي في إفادة عموم النكرة.
والرصد : اسم جمع راصد وهو الحافظ للشيء وهو وصف ل (شِهاباً) ، أي شهبا راصدة ، ووصفها بالرصد استعارة شبهت بالحراس الراصدين. وهذا إشارة إلى انقراض الكهانة إذ الكاهن يتلقى من الجني أنباء مجملة بما يتلقفه الجنيّ من خبر الغيب تلقف اختطاف ناقصا فيكمله الكاهن بحدسه بما يناسب مجاري أحوال قومه وبلده. وفي الحديث «فيزيد على تلك الكلمة مائة كذبة».
وأما اتصال نفوس الكهان بالنفوس الشيطانية فيجوز أن يكون من تناسب بين النفوس ، ومعظمه أوهام. وسئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الكهان فقال : «ليسوا بشيء».
أخرج البخاري عن ابن عباس قال «كان الجن يستمعون الوحي» (أي وحي الله إلى الملائكة بتصاريف الأمور) فلما بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم منعوا ، فقالوا : ما هذا إلّا لأمر حدث فضربوا في الأرض يتحسسون السبب فلما وجدوا رسول الله قائما يصلي بمكة قالوا : هذا الذي حدث في الأرض فقالوا لقومهم : (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً) [الجن : ١] الآية وأنزل على نبيئه (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ) [الجن : ١] وإنما أوحي إليه قول الجن ا ه.