وجملة (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) بيان لجملة (سَأَلَهُمْ) كقوله : (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ) [طه : ١٢٠].
والاستفهام في (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) للتوبيخ والتنديم ليزيدهم حسرة.
والنذير : المنذر ، أي رسول منذر بعقاب الله وهو مصوغ على غير قياس كما صيغ بمعنى المسمع السميع في قول عمرو بن معد يكرب :
أمن ريحانة الداعي السميع
والمراد أفواج أهل النار من جميع الأمم التي أرسلت إليهم الرسل فتكون جملة : (كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ) إلخ بمعنى التذييل.
وجملة : (قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ) معترضة بين كلام خزنة جهنم اعتراضا يشير إلى أن الفوج قاطع كلام الخزنة بتعجيل الاعتراف بما وبّخوهم عليه وذلك من شدة الخوف.
وفصلت الجملة لوجهين لأنها اعتراض ، ولوقوعها في سياق المحاورة كما تقدم غير مرة كقوله تعالى : (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) في سورة البقرة [٣٠]. وكان جوابهم جواب المتحسر المتندم ، فابتدءوا الجواب دفعة بحرف (بَلى) المفيد نقيض النفي في الاستفهام ، فهو مفيد معنى : جاءنا نذير. ولذلك كان قولهم : (قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ) موكدا لما دلت عليه (بَلى) ، وهو من تكرير الكلام عند التحسر ، مع زيادة التحقيق ب (قَدْ) ، وذلك التأكيد هو مناط الندامة والاعتراف بالخطإ.
وجملة : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) الأظهر أنها بقية كلام خزنة جهنم فصل بينهما وبين ما سبقها من كلامهم اعتراض جواب الفوج الموجه إليهم الاستفهام التوبيخي كما ذكرناه آنفا ، ويؤيد هذا إعادة فعل القول في حكاية بقية كلام الفوج في قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ) [الملك : ١٠] إلخ لانقطاعه بالاعتراض الواقع خلال حكايته.
ويجوز أن تكون جملة (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) من تمام كلام كل فوج لنذيرهم. وأتي بضمير جمع المخاطبين مع أن لكل قوم رسولا واحدا في الغالب باستثناء موسى وهارون وباستثناء رسل أصحاب القرية المذكورة في سورة يس ؛ إما على اعتبار الحكاية بالمعنى بأن جمع كلام جميع الأفواج في عبارة واحدة فجيء بضمير الجمع والمراد التوزيع على الأفواج ، أي قال جميع الأفواج : (بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ) إلى قوله : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) ، على طريقة المثال المشهور : «ركب القوم دوابهم» ، وإما