يستعان عليه بالتوكل على الله.
وضمير (يَقُولُونَ) عائد إلى المشركين ، ولم يتقدم له معاد فهو من الضمائر التي استغني عن ذكر معادها بأنه معلوم للسامعين كما تقدم غير مرة ، ومن ذلك عند قوله تعالى: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) [الجن : ١٦] الآيات من سورة (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَ) [الجن : ١] ، ولأنه سيأتي عقبه قوله (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ) [المزمل : ١١] فيبين المراد من الضمير.
وقد مضى في السور التي نزلت قبل سورة المزمل مقالات أذى من المشركين لرسول اللهصلىاللهعليهوسلم ففي سورة العلق [٩ ، ١٠] (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى). قيل هو أبو جهل تهدّد رسول الله صلىاللهعليهوسلم لئن صلى في المسجد الحرام ليفعلنّ ويفعلنّ. وفيها : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) [العلق : ٦ ، ٧]. قيل هو الأخنس بن شريق «تنكّر لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد أن كان حليفه» ، وفي سورة القلم [٢ ـ ١٥] (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) إلى قوله : (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) ، وقوله : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) إلى قوله : (قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [القلم : ١٥] ردّا لمقالاتهم. وفي سورة المدثر [١١ ـ ٢٥] إن كانت نزلت قبل سورة المزمل (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) إلى قوله : (إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) ، قيل : قائل ذلك الوليد بن المغيرة. فلذلك أمر الله رسوله صلىاللهعليهوسلم بالصبر على ما يقولون.
والهجر الجميل : هو الحسن في نوعه ، فإن الأحوال والمعاني منها حسن ومنها قبيح في نوعه وقد يقال : كريم ، وذميم ، وخالص ، وكدر ، ويعرض الوصف للنوع بما من شأنه أن يقترن به من عوارض تناسب حقيقة النوع فإذا جردت الحقيقة عن الأعراض التي قد تعتلق بها كان نوعها خالصا ، وإذا ألصق بالحقيقة ما ليس من خصائصها كان النوع مكدّرا قبيحا ، وقد أشار إلى هذا قوله تعالى : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) [البقرة : ٢٦٤] ، وتقدم عند قوله تعالى : (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ) في سورة النمل [٢٩] ، ومن هذا المعنى قوله : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) في سورة يوسف [١٨] ، وقوله (فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً) في سورة المعارج [٥].
فالهجر الجميل هو الذي يقتصر صاحبه على حقيقة الهجر ، وهو ترك المخالطة فلا يقرنها بجفاء آخر أو أذى ، ولما كان الهجر ينشأ عن بعض المهجور ، أو كراهية أعماله كان معرّضا لأن يعتلق به أذى من سبّ أو ضرب أو نحو ذلك. فأمر الله رسوله بهجر المشركين هجرا جميلا ، أي أن يهجرهم ولا يزيد على هجرهم سبّا أو انتقاما.