فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً (١٦))
نقل الكلام إلى مخاطبة المشركين بعد أن كان الخطاب موجها إلى النبي صلىاللهعليهوسلم.
والمناسبة لذلك التخلص إلى وعيدهم بعد أن أمره بالصبر على ما يقولون وهجرهم هجرا جميلا إذ قال له (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ) إلى قوله : (وَعَذاباً أَلِيماً) [المزمل : ١١ ـ ١٣].
فالكلام استئناف ابتدائي ، ولا يعد هذا الخطاب من الالتفات لأن الكلام نقل إلى غرض غير الغرض الذي كان قبله.
فالخطاب فيه جار على مقتضى الظاهر على كلا المذهبين : مذهب الجمهور ومذهب السكاكي.
والمقصود من هذا الخبر التعريض بالتهديد أن يصيبهم مثل ما أصاب أمثالهم ممن كذبوا الرسل فهو مثل مضروب للمشركين.
وهذا أول مثل ضربه الله للمشركين للتهديد بمصير أمثالهم على قول الجمهور في نزول هذه السورة.
واختير لهم ضرب المثل بفرعون مع موسى عليهالسلام ، لأن الجامع بين حال أهل مكة وحال أهل مصر في سبب الإعراض عن دعوة الرسول هو مجموع ما هم عليه من عبادة غير الله ، وما يملأ نفوسهم من التكبر والتعاظم على الرسول المبعوث إليهم بزعمهم أن مثلهم لا يطيع مثله كما حكى الله تعالى عنهم بقوله : (فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ) [المؤمنون : ٤٧] وقد قال أهل مكة (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١] وقد حكى الله عنهم أنهم قالوا (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) [الفرقان : ٢١]. وقد تكرر في القرآن ضرب المثل بفرعون لأبي جهل وهو زعيم المناوين للنبي صلىاللهعليهوسلم والمؤلبين عليه وأشد صناديد قريش كفرا.
وأكد الخبر ب (إنّ) لأن المخاطبين منكرون أن الله أرسل إليهم رسولا.
ونكر (رَسُولاً) لأنهم يعلمون المعنيّ به في هذا الكلام ، ولأن مناط التهديد والتنظير ليس شخص الرسول صلىاللهعليهوسلم بل هو صفة الإرسال.
وأدمج في التنظير والتهديد وصف الرسول صلىاللهعليهوسلم بكونه شاهدا عليهم.