المنة بأنه خلقها هيّنة لهم صالحة للسير فيها مخرجة لأرزاقهم ، وذيّل ذلك بأن النشور منها وأن النشور إليه لا إلى غيره.
والذّلول من الدواب المنقادة المطاوعة ، مشتق من الذل وهو الهوان والانقياد ، فعول بمعنى فاعل يستوي فيه المذكر والمؤنث ، وتقدم في قوله تعالى : (إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ) الآية في سورة البقرة [٧١] ، فاستعير الذلول للأرض في تذليل الانتفاع بها مع صلابة خلقتها تشبيها بالدابة المسوسة المرتاضة بعد الصعوبة على طريقة المصرحة.
والمناكب : تخييل للاستعارة لزيادة بيان تسخير الأرض للناس فإن المنكب هو ملتقى الكتف مع العضد ، جعل المناكب استعارة لأطراف الأرض أو لسعتها.
وفرع على هذه الاستعارة الأمر في (فَامْشُوا فِي مَناكِبِها) فصيغة الأمر مستعملة في معنى الإدامة تذكيرا بما سخّر الله لهم من المشي في الأرض امتنانا بذلك.
ومناسبة (وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) أن الرزق من الأرض. والأمر مستعمل في الإدامة أيضا للامتنان ، وبذلك تمت استعارة الذلول للأرض لأن فائدة تذليل الذلول ركوبها والأكل منها. فالمشي على الأرض شبيه بركوب الذلول ، والأكل مما تنبته الأرض شبيه بأكل الألبان والسمن وأكل العجول والخرفان ونحو ذلك. وجمع المناكب تجريد للاستعارة لأن الذلول لها منكبان والأرض ذات متسعات كثيرة.
وكل هذا تذكير بشواهد الربوبية والإنعام ليتدبروا فيتركوا العناد ، قال تعالى : (كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) [النحل : ٨١].
وأما عطف (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) فهو تتميم وزيادة عبر أسطر لمناسبة ذكر الأرض فإنها مثوى الناس بعد الموت.
والمعنى : إليه النشور منها ، وذلك يقتضي حذفا ، أي وفيها تعودون.
وتعريف (النُّشُورُ) تعريف الجنس فيعم أي كل نشور ، ومنه نشور المخاطبين فكان قوله : (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) بمنزلة التذييل.
والقصر المستفاد من تعريف جزأي (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ) قصر قلب بتنزيل المخاطبين منزلة من يعتقد أن الأصنام خلقت الأرض لأن اعتقادهم إلهيتها يقتضي إلزامهم بهذا الظن الفاسد وإن لم يقولوه.