وأجاب المجرمون بذكر أسباب الزج بهم في النار لأنهم ما ظنوا إلّا ظاهر الاستفهام ، فذكروا أربعة أسباب هي أصول الخطايا وهي : أنهم لم يكونوا من أهل الصلاة فحرموا أنفسهم من التقرب إلى الله.
وأنهم لم يكونوا من المطعمين المساكين وذلك اعتداء على ضعفاء الناس بمنعهم حقهم في المال.
وأنهم كانوا يخوضون خوضهم المعهود الذي لا يعدو عن تأييد الشرك وأذى الرسولصلىاللهعليهوسلم والمؤمنين.
وأنهم كذبوا بالجزاء فلم يتطلبوا ما ينجيهم. وهذا كناية عن عدم إيمانهم ، سلكوا بها طريق الإطناب المناسب لمقام التحسر والتلهف على ما فات ، فكأنهم قالوا : لأنا لم نكن من المؤمنين لأن أهل الإيمان اشتهروا بأنهم أهل الصلاة ، وبأنهم في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ، وبأنهم يؤمنون بالآخرة وبيوم الدين ويصدقون الرسل وقد جمعها قوله تعالى في سورة البقرة [٢ ـ ٤] (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ).
وأصل الخوض الدخول في الماء ، ويستعار كثيرا للمحادثة المتكررة ، وقد اشتهر إطلاقه في القرآن على الجدال واللجاج غير المحمود قال تعالى : (ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) [الأنعام : ٩١] وغير ذلك ، وقد جمع الإطلاقين قوله تعالى : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) [الأنعام : ٦٨].
وباعتبار مجموع الأسباب الأربعة في جوابهم فضلا عن معنى الكناية ، لم يكن في الآية ما يدل للقائلين بأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة.
ويوم الدين : يوم الجزاء والجزاء.
و (الْيَقِينُ) : اسم مصدر يقن كفرح ، إذا علم علما لا شك معه ولا تردد.
وإتيانه مستعار لحصوله بعد أن لم يكن حاصلا ، شبه الحصول بعد الانتفاء بالمجيء بعد المغيب.
والمعنى : حتى حصل لنا العلم بأن ما كنا نكذب به ثابت ، فقوله : (حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ) على هذا الوجه غاية لجملة (نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ).