عنها المستفهمون وهو مجاز مرسل بعلاقة الملازمة ، و (لَهُمْ) خبر عن (ما) الاستفهامية.
والتقدير : ما ثبت لهم ، و (مُعْرِضِينَ) حال من ضمير (لَهُمْ) ، أي يستفهم عنهم في هذه الحالة العجيبة.
وتركيب : ما لك ونحوه ، لا يخلو من حال تلحق بضميره مفردة أو جملة نحو (ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ) في سورة يوسف [١١]. وقوله تعالى : (فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) في سورة الانشقاق [٢٠]. وقوله : (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) في سورة الصافات [١٥٤] وسورة القلم [٣٦]. و (عَنِ التَّذْكِرَةِ) متعلق ب (مُعْرِضِينَ).
وشبهت حالة إعراضهم المتخيّلة بحالة فرار حمر نافرة مما ينفرها.
والحمر : جمع حمار ، وهو الحمار الوحشي ، وهو شديد النفار إذا أحس بصوت القانص وهذا من تشبيه المعقول بالمحسوس.
وقد كثر وصف النفرة وسرعة السير والهرب بالوحش من حمر أو بقر وحش إذا أحسسن بما يرهبنه كما قال لبيد في تشبيه راحلته في سرعة سيرها بوحشية لحقها الصياد :
فتوجّست رزّ الأنيس فراعها |
|
عن ظهر غيب والأنيس سقامها |
وقد كثر ذلك في شعر العرب في الجاهلية والإسلام كما في معلقة طرفة ، ومعلقة لبيد ، ومعلقة الحارث ، وفي أراجيز الحجّاج ورؤية ابنه وفي شعر ذي الرمة.
والسين والتاء في (مُسْتَنْفِرَةٌ) للمبالغة في الوصف مثل : استكمل واستجاب واستعجب واستسخر واستخرج واستنبط ، أي نافرة نفارا قويا فهي تعدو بأقصى سرعة العدو.
وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر (مُسْتَنْفِرَةٌ) بفتح الفاء ، أي استنفرها مستنفر ، أي أنفرها ، فهو من استنفره المتعدي بمعنى أنفره. وبناء الفعل للنائب يفيد الإجمال ثم التفصيل بقوله : (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ).
وقرأها الجمهور بكسر الفاء ، أي استنفرت هي مثل : استجاب ، فيكون جملة (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) بيانا لسبب نفورها.
وفي «تفسير الفخر» عن أبي علي الفارسي قال محمد بن سلام : سألت أبا سوار الغنوي وكان أعرابيا فصيحا فقلت : كأنهم حمر ما ذا فقال : مستنفرة : بفتح الفاء فقلت له: