جادّين في سؤالهم فكان من مقتضى حالهم أن ينذروا بما يقع من الأهوال عند حلول هذا اليوم مع تضمين تحقيق وقوعه فإن كلام القرآن إرشاد وهدي ما يترك فرصة للهدي والإرشاد إلّا انتهزها ، وهذا تهديد في ابتدائه جاء في صورة التعيين لوقت يوم القيامة إيهاما بالجواب عن سؤالهم كأنه حمل لكلامهم على خلاف الاستهزاء على طريقة الأسلوب الحكيم. وفيه تعريض بالتوبيخ على أن فرطوا في التوقي من ذلك اليوم واشتغلوا بالسؤال عن وقته. وقريب منه ما روي أن رجلا من المسلمين سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «متى الساعة؟ فقال له : ما ذا أعددت لها».
فإن هذه الأحوال المذكورة في الآية مما يقع عند حلول الساعة وقيام القيامة فكان ذلك شيئا من تعيين وقته بتعيين أشراطه.
والفاء لتفريع الجواب عن السؤال.
و (بَرِقَ) قرأه الجمهور بكسر الراء ، ومعناه : دهش وبهت ، يقال : برق يبرق فهو برق من باب فرح فهو من أحوال الإنسان.
وإنما أسند في الآية إلى البصر على سبيل المجاز العقلي تنزيلا له منزلة مكان البرق لأنه إذا بهت شخص بصره. كما أسند الأعشى البرق إلى الأعين في قوله :
كذلك فافعل ما حييت إذا شتوا |
|
وأقدم إذا ما أعين الناس تفرق |
وقرأه نافع وأبو جعفر بفتح الراء من البريق بمعنى اللمعان ، أي لمع البصر من شدة شخوصه ، ومضارعه يبرق بضم الراء. وإسناده إلى البصر حقيقة.
ومآل معنى القراءتين واحد وهو الكناية عن الفزع والرعب كقوله تعالى : (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الأنبياء : ٩٧] ، فلا وجه لترجيح الطبري قراءة الجمهور على قراءة نافع وأبي جعفر ، لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى ولا من مقتضى التفسير.
والتعريف في (الْبَصَرُ) للجنس المراد به الاستغراق ، أي أبصار الناس كلهم من الشدة الحاصلة في ذلك الوقت على أنهم متفاوتون في الرعب الحاصل لهم على تفاوتهم فيما يعرضون عليه من طرائق منازلهم.
وخسوف القمر أريد به انطماس نوره انطماسا مستمرا بسبب تزلزله من مداره حول الأرض الدائرة حول الشمس بحيث لا ينعكس عليه نورها ولا يلوح للناس نيّرا ، وهو ما