وإفراد ضمير (يَخْسِفَ) مراعاة للفظ (مَنْ) إذا أريد طائفة من الملائكة أو مراعاة للفظ والمعنى إذا كان ما صدق (مَنْ) ملكا واحدا.
والمعنى : توبيخهم على سوء معاملتهم ربهم كأنهم آمنون من أن يأمر الله ملائكته بأن يخسفوا الأرض بالمشركين.
والخسف : انقلاب ظاهر السطح من بعض الأرض باطنا وباطنه ظاهرا وهو شدة الزلزال.
وفعل خسف يستعمل قاصرا ومتعديا وهو من باب ضرب ، وتقدم عند قوله تعالى : (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ) سورة النحل [٤٥].
والباء في قوله : (بِكُمُ) للمصاحبة ، أي يخسف الأرض مصاحبة لذواتكم. وفي الجمع بين السماء والأرض محسّن الطباق.
والمصدر المنسبك من (أَنْ يَخْسِفَ) يجوز أن يكون بدل اشتمال من اسم الموصول لأن الخسف من شأن من في السماء ، ويجوز أن يكون منصوبا على نزع الخافض وهو مطّرد مع (أَنْ) ، والخافض المحذوف حرف (من).
وفرع على الخسف المتوقع المهدد به أن تمور الأرض تفريع الأثر على المؤثر لأن الخسف يحدث المور ، فإذا خسفت الأرض فاجأها المور لا محالة ، لكن نظم الكلام جرى على ما يناسب جعل التهديد بمنزلة حادث وقع فلذلك جيء بعده بالحرف الدال على المفاجأة لأن حق المفاجأة أن تكون حاصلة زمن الحال لا الاستقبال كما في «مغني اللبيب» فإذا أريد تحقيق حصول الفعل المستقبل نزل منزلة الواقع في الحال كقوله تعالى : (ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) [الروم : ٢٥] ، وإذا أريد استحضار حالة فعل حصل فيما مضى نزل كذلك منزلة المشاهد في الحال كقوله تعالى : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا) [يونس : ٢١] ، فكان قوله : (فَإِذا هِيَ تَمُورُ) مؤذنا بتشبيه حالة الخسف المتوقع المهدد به بحالة خسف حصل بجامع التحقق كما قالوا في التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي ، وحذف المركب الدال على الحالة المشبه بها ورمز إليه بما هو من آثاره ويتفرع عنه فكان في الكلام تمثيلية مكنيّة.
والمور : الارتجاج والاضطراب وتقدم في قوله تعالى : (يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً) في سورة الطور [٩].