فلما نزل هذا الوحي في أثناء نزول السورة للغرض الذي نزل فيه ولم يكن سورة مستقلة كان ملحقا بالسورة وواقعا بين الآي التي نزل بينها.
فضمير (بِهِ) عائد على القرآن كما هو المعروف في آيات كثيرة.
وقوله : (فَإِذا قَرَأْناهُ) ، أي إذا قرأه جبريل عنا ، فأسندت القراءة إلى ضمير الجلالة على طريقة المجاز العقلي ، والقرينة واضحة.
ومعنى (فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) ، أي أنصت إلى قراءتنا.
فضمير (قَرَأْناهُ) راجع إلى ما رجع إليه ضمير الغائب في (لا تُحَرِّكْ بِهِ) وهو القرآن بالمعنى الاسمي ، فيكون وقوع هذه الآية في هذه السورة مثل وقوع (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) في سورة مريم [٦٤] ، ووقوع (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) في أثناء أحكام الزوجات في سورة البقرة [٢٣٨]. قالوا : نزلت هذه الآية في أثناء سورة القيامة: هذا ما لا خلاف فيه بين أهل الحديث وأئمة التفسير. وذكر الفخر عن القفال أنه قال : إن قوله : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ) ليس خطابا مع الرسول صلىاللهعليهوسلم بل هو خطاب مع الإنسان المذكور في قوله : (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ) [القيامة : ١٣] فكان ذلك للإنسان حالما ينبّأ بقبائح أفعاله فيقال له : اقرأ كتابك ، فإذا أخذ في القراءة تلجلج لسانه فيقال له : لا تحرك به لسانك لتعجل به فإنه يجب علينا بحكم الوعد أو بحكم الحكمة أن نجمع أعمالك وأن نقرأها عليك فإذا قرأناه عليك فاتبع قرآنه بالإقرار ، ثمّ إن علينا بيان مراتب عقوبته ، قال القفال : فهذا وجه حسن ليس في العقل ما يدفعه وإن كانت الآثار غير واردة به ا ه.
وأقول : إن كان العقل لا يدفعه فإن الأسلوب العربي ومعاني الألفاظ تنبو عنه.
والذي يلوح لي في موقع هذه الآية هنا دون أن تقع فيما سبق نزوله من السور قبل هذه السورة : أن سور القرآن حين كانت قليلة كان النبي صلىاللهعليهوسلم لا يخشى تفلّت بعض الآيات عنه فلما كثرت السور فبلغت زهاء ثلاثين حسب ما عده سعيد بن جبير في ترتيب نزول السور ، صار النبي صلىاللهعليهوسلم يخشى أن ينسى بعض آياتها ، فلعله صلىاللهعليهوسلم أخذ يحرك لسانه بألفاظ القرآن عند نزوله احتياطا لحفظه وذلك من حرصه على تبليغ ما أنزل إليه بنصه ، فلما تكفل الله بحفظه أمره أن لا يكلف نفسه تحريك لسانه ، فالنهي عن تحريك لسانه نهي رحمة وشفقة لما كان يلاقيه في ذلك من الشدة.
و (قرآن) في الموضعين مصدر بمعنى القراءة مثل الغفران والفرقان ، قال حسان في