وهذه الجمل تمهيد لقوله : (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى).
وهذا البيان خاص بأحد معنيي التّرك في الآية وهو تركه دون إحياء وأكتفي ببيان هذا عن بيان المعنى الآخر الذي قيّده قوله : (سُدىً) ، [القيامة : ٣٦] أي تركه بدون جزاء على أعماله لأن فائدة الإحياء أن يجازى على عمله. والمعنى : أيحسب أن يترك فانيا ولا تجدد حياته.
ووقع وصف (سُدىً) في خلال ذلك موقع الاستدلال على لزوم بعث الناس من جانب الحكمة ، وانتقل بعده إلى بيان إمكان البعث من جانب المادة ، فكان وقوعه إدماجا.
فالإنسان خلق من ماء وطوّر أطوارا حتى صار جسدا حيّا تامّ الخلقة والإحساس فكان بعضه من صنف الذكور وبعضه من صنف الإناث ، فالذي قدر على هذا الخلق البديع لا يعجزه إعادة خلق كل واحد كما خلقه أول مرة بحكمة دقيقة وطريقة أخرى لا يعلمها إلّا هو.
والنطفة : القليل من الماء سمي بها ماء التناسل ، وتقدم في سورة فاطر.
واختلف في تفسير معنى (يُمْنى) فقال كثير من المفسرين معناه : تراق. ولم يذكر في كتب اللغة أن فعل : منى أو أمنى يطلق بمعنى أراق سوى أن بعض أهل اللغة قال في تسمية (منّى) التي بمكة إنها سميت كذلك لأنها تراق بها دماء الهدي ، ولم يبينوا هل هو فعل مجرد أو بهمزة التعدية.
وأحسب هذا من التلفيقات المعروفة من أهل اللغة من طلبهم إيجاد أصل لاشتقاق الأعلام وهو تكلف صراح ، فاسم (منى) علم مرتجل ، وقال ثعلب : سميت بذلك من قولهم : منى الله عليه الموت ، أي قدّره لأنها تنحر فيها الهدايا ومثله عن ابن شميل وعن ابن عيينة. وفسر بعضهم (تَمَنَّى) بمعنى تخلق من قولهم منى الله الخلق ، أي خلقهم. والأظهر قول بعض المفسرين أنه مضارع أمنى الرجل فيكون كقوله : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ) في سورة الواقعة [٥٨].
والعلقة : القطعة الصغيرة من الدم المتعقد.
وعطف فعل (كانَ عَلَقَةً) بحرف (ثُمَ) للدلالة على التراخي الرتبي فإنّ كونه علقة