الآخرة وبعضه وصف لبعض حالهم في الدنيا الموجب لنوال ما نالوه في الآخرة ، فلا حاجة إلى قول الفراء : إن في الكلام إضمارا وتقديره : كانوا يوفون بالنذر.
وليست الجملة حالا من (الْأَبْرارَ) [الإنسان : ٥] وضميرهم لأن الحال قيد لعاملها فلو جعلت حالا لكانت قيدا ل (يَشْرَبُونَ) [الإنسان : ٥] ، وليس وفاؤهم بالنذر بحاصل في وقت شربهم من خمر الجنة بل هو بما أسلفوه في الحياة الدنيا.
والوفاء : أداء ما وجب على المؤدي وافيا دون نقص ولا تقصير فيه.
والنذر : ما يعتزمه المرء ويعقد عليه نيته ، قال عنترة :
والنّاذرين إذا لم ألقهما دمي
والمراد به هنا ما عقدوا عليه عزمهم من الإيمان والامتثال وهو ما استحقوا به صفة (الْأَبْرارَ) [الإنسان : ٥].
ويجوز أن يراد (بِالنَّذْرِ) ما ينذرونه من فعل الخير المتقرّب به إلى الله ، أي ينشئون النذور بها ليوجبوها على أنفسهم.
وجيء بصيغة المضارع للدلالة على تجدد وفائهم بما عقدوا عليه ضمائرهم من الإيمان والعمل الصالح ، وذلك مشعر بأنهم يكثرون نذر الطاعات وفعل القربات ولو لا ذلك لما كان الوفاء بالنذر موجبا الثناء عليهم.
والتعريف في (النذر) تعريف الجنس فهو يعم كل نذر.
وعطف على (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) قوله : (وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) لأنهم لما وصفوا بالعمل بما ينذرونه أتبع ذلك بذكر حسن نيتهم وتحقق إخلاصهم في أعمالهم لأن الأعمال بالنيات فجمع لهم بهذا صحة الاعتقاد وحسن الأعمال.
وخوفهم اليوم مجاز عقلي جرى في تعلق اليوم بالخوف لأنهم إنما يخافون ما يجري في ذلك اليوم من الحساب والجزاء على الأعمال السيئة بالعقاب فعلق فعل الخوف بزمان الأشياء المخوفة.
وانتصب (يَوْماً) على المفعول به ل (يَخافُونَ) ولا يصح نصبه على الظرفية لأن المراد بالخوف خوفهم في الدنيا من ذنوب تجر إليهم العقاب في ذلك اليوم ، وليس المراد أنهم يخافون في ذلك اليوم فإنهم في ذلك اليوم آمنون.