الأجنحة على زيادة التحرك عند ما يحسسن بتغلب جاذبية الأرض على حركات الطيران ، ونظيره قوله تعالى في الجبال والطير (يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً) [ص : ١٨ ـ ١٩] لأن التسبيح في وقتين والطير محشورة دوما.
وانتصب (فَوْقَهُمْ) على الحال من (الطَّيْرِ) وكذلك انتصب (صافَّاتٍ).
وجملة (وَيَقْبِضْنَ) في موضع نصب على الحال لعطفها على الوصف الذي هو حال فالرؤية بصرية مضمنة معنى النظر ، ولذلك عديت إلى المرئي ب (إلى). والاستفهام في (أَوَلَمْ يَرَوْا) إنكاري ، ونزلوا منزلة من لم ير هاته الأحوال في الطير لأنهم لم يعتبروا بها ولم يهتدوا إلى دلالتها على انفراد خالقها بالإلهية.
وجملة (ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ) مبينة لجملة (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ) وما فيها من استفهام إنكار ، أي كان حقهم أن يعلموا أنهن ما يمسكهن إلّا الرحمن إذ لا ممسك لها ترونه كقوله تعالى : (وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ) [الحج : ٦٥].
وفي هذا إيماء إلى أن الذي أمسك الطير عن الهويّ المفضي إلى الهلاك هو الذي أهلك الأمم الذين من قبل هؤلاء فلو لم يشركوا به ولو استعصموا بطاعته لأنجاهم من الهلاك كما أنجى الطير من الهويّ.
ومعنى إمساك الله إياها : حفظها من السقوط على الأرض بما أودع في خلقتها من الخصائص في خفة عظامها وقوة حركة الجوانح وما جعل لهن من القوادم ، وهي ريشات عشر هي مقاديم ريش الجناح ، ومن الخوافي وهي ما دونها من الجناح إلى منتهى ريشه ، وما خلقه من شكل أجسادها المعين على نفوذها في الهواء فإن ذلك كله بخلق الله إياها مانعا لها من السقوط وليس ذلك بمعاليق يعلقها بها أحد كما يعلق المشعوذ بعض الصور بخيوط دقيقة لا تبدو للناظرين.
وإيثار اسم (الرَّحْمنُ) هنا دون الاسم العلم بخلاف ما في سورة النحل [٧٩] (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللهُ) لعله للوجه الذي ذكرناه آنفا في خطابهم بطريقة الإطناب من قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ) الآية.
فمن جملة عنادهم إنكارهم اسم (الرَّحْمنُ) فلما لم يرعووا عما هم عليه ذكر وصف (الرَّحْمنُ) في هذه السورة أربع مرات.
وجملة (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) تعليل لمضمون (ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ) أي