والمراد بالبكرة والأصيل استغراق أوقات النهار ، أي لا يصدك إعراضهم عن معاودة الدعوة وتكريرها طرفي النهار. ويدخل في ذكر الله الصلوات مثل قوله (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ* وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [هود : ١١٤ ، ١١٥]. وكذلك النوافل التي هي من خصائص النبي صلىاللهعليهوسلم بين مفروض منها وغير مفروض. فالأمر في قوله : (وَاذْكُرِ) مستعمل في مطلق الطلب من وجوب ونفل.
وذكر اسم الرب يشمل تبليغ الدعوة ويشمل عبادة الله في الصلوات المفروضة والنوافل ويشمل الموعظة بتخويف عقابه ورجاء ثوابه.
وقوله : (بُكْرَةً وَأَصِيلاً) يشمل أوقات النهار كلها المحدود منها كأوقات الصلوات وغير المحدود كأوقات النوافل ، والدعاء والاستغفار.
و (بُكْرَةً) هي أول النهار ، (وَأَصِيلاً) عشيا.
وقوله : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ) إشارة إلى أن الليل وقت تفرغ من بث الدعوة كما تقدم في قوله : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) إلى قوله : (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ) الآية [المزمل : ٢ ـ ٢٠] وهذا خاص بصلاة الليل فرضا ونفلا.
وقوله : (وَسَبِّحْهُ) جملة معطوفة على جملة (مِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ) فتعين أن التسبيح التنفل.
والتسبيح : التنزيه بالقول وبالاعتقاد ، ويشمل الصلوات والأقوال الطيبة والتدبر في دلائل صفات الله وكمالاته ، وغلب إطلاق مادة التسبيح على الصلاة النافلة ، وقال تعالى: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) [الطور : ٤٨] ، أي من الليل. وعن عبد الملك بن حبيب : و (سَبِّحْهُ) هنا صلاة التطوع في الليل ، وقوله (طَوِيلاً) صفة (لَيْلاً) وحيث وصف الليل بالطول بعد الأمر بالتسبيح فيه ، علم أن (لَيْلاً) أريد به أزمان الليل لأنه مجموع الوقت المقابل للنهار ، لأنه لو أريد ذلك المقدار كلّه لم يكن في وصفه بالطول جدوى ، فتعين أن وصف الطول تقييد للأمر بالتسبيح ، أي سبحه أكثر الليل ، فهو في معنى قوله تعالى : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) إلى (أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) [الإنسان : ٢ ، ٤] أو يتنازعه كل من (اسجد) و (سَبِّحْهُ).
وانتصب (لَيْلاً) على الظرفية ل (سَبِّحْهُ).
وعن ابن عباس وابن زيد : أن هاتين الآيتين إشارة إلى الصلوات الخمس وأوقاتها