ينكرون وقوع ذلك اليوم كما قدمناه وكان الباعث لهم على إنكاره شبهة استحالة إعادة الأجساد بعد بلاها وفنائها ، وكان الكلام السابق مسوقا مساق الذم لهم والإنكار عليهم جيء هنا بما هو دليل للإنكار عليهم وإبطال لشبهتهم ببيان إمكان إعادة خلقهم يعيده الذي خلقهم أول مرّة كما قال تعالى : (فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) [الإسراء : ٥١] وغير ذلك من الآيات الحائمة حول هذا المعنى.
وافتتاح الجملة بالمبتدإ المخبر عنه بالخبر الفعلي دون أن تفتتح ب (خَلَقْناهُمْ) أو نحن خالقون ، لإفادة تقوّي الخبر وتحقيقه بالنظر إلى المعنيين بهذا الكلام وإن لم يكن خطابا لهم ولكنهم هم المقصود منه.
وتقوية الحكم بناء على تنزيل أولئك المخلوقين منزلة من يشك في أن الله خلقهم حيث لم يجرءوا على موجب العلم فأنكروا أن الله يعيد الخلق بعد البلى ، فكأنهم يسندون الخلق الأول لغيره. وتقوّي الحكم يترتب عليه أنه إذا شاء بدّل أمثالهم بإعادة أجسادهم فلذلك لم يحتج إلى تأكيد جملة : (وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ) ، استغناء بتولد معناها عن معنى التي قبلها وإن كان هو أولى بالتقوية على مقتضى الظاهر. وهذا التقوّي هنا مشعر بأن كلاما يعقبه هو مصب التقوّي ، ونظيره في التقوّي والتفريع قوله تعالى : (نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ) إلى قوله : (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ) فإن المفرع هو (أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ) وما اتصل به. وجملة (فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ) معترضة وقد مضى في سورة الواقعة [٥٧ ـ ٦١].
ف (أَمْثالَهُمْ) : هي الأجساد الثانية إذ هي أمثال لأجسادهم الموجودة حين التنزيل.
والشدّ : الإحكام وإتقان ارتباط أجزاء الجسد بعضها ببعض بواسطة العظام والأعصاب والعروق إذ بذلك يستقلّ الجسم.
والأسر : الربط ، وأطلق هنا على الإحكام والإتقان على وجه الاستعارة.
والمعنى : أحكمنا ربط أجزاء أجسامهم فكانت مشدودا بعضها إلى بعض.
وقوله : (وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ) إخبار بأن الله قادر على أن يبدلهم بناس آخرين.
فحذف مفعول (شِئْنا) لدلالة وجواب (إِذا) عليه كما هو الشأن في فعل المشيئة غالبا.