و (من) في موضع مبتدأ واسم الإشارة خبر عن المبتدأ.
وكتب في المصحف (أَمَّنْ) بميم واحدة بعد الهمزة وهما ميم (أم) وميم (من) المدغمتين بجعلهما كالكلمة الواحدة كما كتب (عَمَّ يَتَساءَلُونَ) [النبأ : ١] بميم واحدة بعد العين ، ولا تقرأ إلّا بميم مشددة إذ المعتبر في قراءة القرآن الرواية دون الكتابة وإنما يكتب القرآن للإعانة على مراجعته.
و (الَّذِي هُوَ جُنْدٌ) صفة لاسم الإشارة و (لَكُمْ) صفة ل (جُنْدٌ) و (يَنْصُرُكُمْ) جملة في موضع الحال من (جُنْدٌ) أو صفة ثانية ل (جُنْدٌ).
ويجوز أن يكون اسم الإشارة مشارا به إلى جماعة الأصنام المعروفة عندهم الموضوعة في الكعبة وحولها الذي اتخذتموه جندا فمن هو حتى ينصركم من دون الله.
فتكون (من) استفهامية مستعملة في التحقير مثل قوله : (مِنْ فِرْعَوْنَ) [الدخان : ٣١] في قراءة فتح ميم (من) ورفع فرعون ، أي من هذا الجند فإنه أحقر من أن يعرف ، واسم الإشارة صفة لاسم الاستفهام مبينة له ، و (الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ) صفة لاسم الإشارة وجملة (يَنْصُرُكُمْ) خبر عن اسم الاستفهام ، أي هو أقل من أن ينصركم من دون الرحمن. وجيء بالجملة الاسمية (الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ) لدلالتها على الدوام والثبوت لأن الجند يكون على استعداد للنصر إذا دعي إليه سواء قاتل أم لم يقاتل لأن النصر يحتاج إلى استعداد وتهيّؤ كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «خير الناس رجل ممسك بعنان فرسه كلما سمع هيعة طار إليها» أي هيعة جهاد.
فالمعنى : ينصركم عند احتياجكم إلى نصره ، فهذا وجه الجمع بين جملة (هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ) وجملة (يَنْصُرُكُمْ) ولم يستغن بالثانية عن الأولى.
و (دُونِ) أصله ظرف للمكان الأسفل ضد (فوق) ، ويطلق على المغاير فيكون بمعنى غير على طريقة المجاز المرسل.
فقوله : (مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ) يجوز أن يكون ظرفا مستقرا في موضع الحال من الضمير المستتر في (يَنْصُرُكُمْ). أي حالة كون الناصر من جانب غير جانب الله ، أي من مستطيع غير الله يدفع عنكم السوء على نحو قوله تعالى : (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا) [الأنبياء : ٤٣] فتكون (مِنْ) زائدة مؤكدة للظرف وهي تزاد مع الظروف غير المتصرفة ، ولا تجر تلك الظروف بغير (مِنْ) ، قال الحريري في المقامة الرابعة والعشرين : وما منصوب