(هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ) [الملك : ٢٤] انحصر عنادهم في مضمون قوله : (وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الملك : ٢٤] فإنهم قد جحدوا البعث وأعلنوا بجحده وتعجبوا من إنذار القرآن به ، وقال بعضهم لبعض (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) [سبأ : ٨٧] وكانوا يقولون : (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [سبأ : ٢٩] واستمروا على قوله ، فلذلك حكاه الله عنهم بصيغة المضارع المقتضية للتكرير.
و (الْوَعْدُ) مصدر بمعنى اسم المفعول ، أي متى هذا الوعد فيجوز أن يراد به الحشر المستفاد من قوله : (وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الملك : ٢٤] فالإشارة إليه بقوله : (هذَا) ظاهرة ، ويجوز أن يراد به وعد آخر بنصر المسلمين ، فالإشارة إلى وعيد سمعوه.
والاستفهام بقولهم : (مَتى هذَا الْوَعْدُ) مستعمل في التهكم لأن من عادتهم أن يستهزءوا بذلك قال تعالى : (فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ) [الإسراء : ٥١] وأتوا بلفظ (الْوَعْدُ) استنجازا له لأن شأن الوعد الوفاء.
وضمير الخطاب في : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) للنبي صلىاللهعليهوسلم والمسلمين لأنهم يلهجون بإنذارهم بيوم الحشر ، وتقدم نظيره في سورة سبأ.
وأمر الله رسوله بأن يجيب سؤالهم بجملة على خلاف مرادهم بل على ظاهر الاستفهام عن وقت الوعد على طريقة الأسلوب الحكيم ، بأن وقت هذا الوعد لا يعلمه إلّا الله ، فقوله : (قُلْ) هنا أمر بقول يختص بجواب كلامهم وفصل دون عطف بجريان المقول في سياق المحاورة ، ولم يعطف فعل (قُلْ) بالفاء جريا على سنن أمثاله الواقعة في المجاوبة والمحاورة ، كما تقدم في نظائره الكثيرة وتقدم عند قوله تعالى : (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) في سورة البقرة [٣٠].
ولام التعريف في (الْعِلْمُ) للعهد ، أي العلم بوقت هذا الوعد. وهذه هي اللام التي تسمى عوضا عن المضاف إليه ، وهذا قصر حقيقي.
(وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) قصر إضافي ، أي ما أنا إلّا نذير بوقوع هذا الوعد لا أتجاوز ذلك إلى كوني عالما بوقته.
والمبين : اسم فاعل من أبان المتعدي ، أي مبين لما أمرت بتبليغه.