قال تعالى : (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ) [الزخرف : ٤١ ، ٤٢] وقال : (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) [الأنبياء : ٣٤] وقال : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) [الزمر : ٣٠] أي المشركين ، وقد تكرر هذا المعنى وما يقاربه في القرآن ، وينسب إلى الشافعي :
تمنّى رجال أن أموت فإن أمت |
|
فتلك سبيل لست فيها بأوحد |
فقد يكون نزول هذه الآيات السابقة صادف مقالة من مقالاتهم هذه فنزلت الآية في أثنائها وقد يكون نزولها لمناسبة حكاية قولهم : (مَتى هذَا الْوَعْدُ) [الملك : ٢٥] بأن قارنه كلام بذيء مثل أن يقولوا : أبعد هلاكك يأتي الوعد.
والإهلاك : الإماتة ، ومقابلة (أَهْلَكَنِيَ) ب (رَحِمَنا) يدل على أن المراد : أو رحمنا بالحياة ، فيفيد أن الحياة رحمة ، وأن تأخير الأجل من النعم ، وإنما لم يؤخر الله أجل نبيئه صلىاللهعليهوسلم مع أنه أشرف الرسل لحكم أرادها كما دلّ عليه قوله : «حياتي خير لكم وموتي خير لكم» ، ولعلّ حكمة ذلك أن الله أكمل الدين الذي أراد إبلاغه فكان إكماله يوم الحج الأكبر من سنة ثلاث وعشرين من البعثة ، وكان استمرار نزول الوحي على النبيصلىاللهعليهوسلم خصيصية خصّه الله بها من بين الأنبياء ، فلما أتم الله دينه ربا برسوله صلىاللهعليهوسلم أن يبقى غير متصل بنزول الوحي فنقله الله إلى الاتصال بالرفيق الأعلى مباشرة بلا واسطة ، وقد أشارت إلى هذا سورة (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ) من قوله : (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ) [النصر : ١ ـ ٣]. ولله در عبد بني الحسحاس في عبرته بقوله :
رأيت لمنايا لم يدعن محمدا |
|
ولا باقيا إلّا له الموت مرصدا |
وقد عوضه الله تعالى بحياة أعلى وأجل ، إذ قال (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) [الشرح : ٤] ، وبالحياة الأبدية العاجلة وهي أنه يردّ عليه روحه الزكية كلّما سلّم عليه أحد فيردّعليهالسلام كما ثبت بالحديث الصحيح.
وإنما سمّى الحياة رحمة له ولمن معه ، لأن في حياته نعمة له وللناس ما دام الله مقدرا حياته ، وحياة المؤمن رحمة لأنه تكثر له فيها بركة الإيمان والأعمال الصالحة.
والاستفهام في (أَرَأَيْتُمْ) إنكاري أنكر اندفاعهم إلى أمنيات ورغائب لا يجتنون منها نفعا ولكنها مما تمليه عليهم النفوس الخبيثة من الحقد والحسد.
والرؤية علمية ، وفعلها معلق عن العمل فلذلك لم يرد بعده مفعولاه ، وهو معلق