جنس الطاعة لهم فيعم كل إجابة لطلب منهم ، فالطاعة مراد بها هنا المصالحة والملاينة كما في قوله تعالى : (فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً) [الفرقان : ٥٢] ، أي لا تلن لهم.
واختير تعريفهم بوصف المكذبين دون غيره من طرق التعريف لأنه بمنزلة الموصول في الإيماء إلى وجه بناء الحكم وهو حكم النهي عن طاعتهم فإن النهي عن طاعتهم لأنهم كذبوا رسالته.
ومن هنا يتضح أن جملة (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) بيان لمتعلق الطاعة المنهي عنها ولذلك فصلت ولم تعطف.
وفعل (تُدْهِنُ) مشتق من الإدهان وهو الملاينة والمصانعة ، وحقيقة هذا الفعل أن يجعل لشيء دهنا إما لتليينه وإما لتلوينه ، ومن هاذين المعنيين تفرعت معاني الإدهان كما أشار إليه الراغب ، أي ودّوا منك أن تدهن لهم فيدهنوا لك ، أي لو تواجههم بحسن المعاملة فيواجهونك بمثلها.
والفاء في (فَيُدْهِنُونَ) للعطف ، والتسبب عن جملة (لَوْ تُدْهِنُ) جوابا لمعنى التمني المدلول عليه بفعل (وَدُّوا) بل قصد بيان سبب ودادتهم ذلك ، فلذلك لم ينصب الفعل بعد الفاء بإضمار (أن) لأن فاء المتسبب كافية في إفادة ذلك ، فالكلام بتقدير مبتدأ محذوف تقديره : فهم يدهنون. وسلك هذا الأسلوب ليكون الاسم المقدر مقدما على الخبر الفعلي فيفيد معنى الاختصاص ، أي فالإدهان منهم لا منك ، أي فاترك الإدهان لهم ولا تتخلق أنت به ، وهذه طريقة في الاستعمال إذا أريد بالترتبات أنه ليس تعليق جواب كقوله تعالى : (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً) [الجن : ١٣] ، أي فهو لا يخاف بخسا ولا رهقا.
وحرف (لَوْ) يحتمل أن يكون شرطيا ويكون فعل (تُدْهِنُ) شرطا ، وأن يكون جواب الشرط محذوفا ويكون التقدير : لو تدهن لحصل لهم ما يودون. ويحتمل أن يكون (لَوْ) حرفا مصدريا على رأي طائفة من علماء العربية أن (لَوْ) يأتي حرفا مصدريا مثل (أن) فقد قال بذلك الفراء والفارسي والتبريزي وابن مالك فيكون التقدير : ودوا إدهانك.
ومفعول (وَدُّوا) محذوف دل عليه (لَوْ تُدْهِنُ) ، أو هو المصدر بناء على أن (لَوْ) تقع حرفا مصدريا ، وتقدم في قوله تعالى : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) في سورة