تقع (كُلَ) في حيز النفي ، أي أو النهي فتفيد ثبوت الفعل أو الوصف لبعض مما أضيفت إليه (كُلَ) إن كانت (كُلَ) مسندا إليها ، أو تفيد تعلق الفعل أو الوصف ببعض ما أضيفت إليه (كُلَ) إن كانت معمولة للمنفيّ أو المنهيّ عنه ، وبين أن تقع (كُلَ) في غير حيّز النفي ، وجعل رفع لفظ (كلّه) في قول أبي النجم :
قد أصبحت أم الخيار تدّعي |
|
عليّ ذنبا كلّه لم أصنع |
متعينا ، لأنه لو نصبه لأفاد تنصله من أن يكون صنع مجموع ما ادعته عليه من الذنوب ، فيصدق بأنه صنع بعض تلك الذنوب وهو لم يقصد ذلك كما صرح بإبطاله العلامة التفتازانيّ في «المطول» ، واستشهد للإبطال بقوله تعالى : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) [البقرة : ٢٧٦] وقوله : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ).
وأجريت على المنهي عن الإطاعة بهذه الصفات الذميمة ، لأن أصحابها ليسوا أهلا لأن يطاعوا إذ لا ثقة بهم ولا يأمرون إلّا بسوء.
قال جمع من المفسرين المراد بالحلّاف المهين : الوليد بن المغيرة ، وقال بعضهم : الأخنس بن شريق ، وقال آخرون : الأسود بن عبد يغوث ، ومن المفسرين من قال المراد : أبو جهل ، وإنما عنوا أن المراد التعريض بواحد من هؤلاء ، وإلّا فإن لفظ (كُلَ) المفيد للعموم لا يسمح بأن يراد النهي عن واحد معين ، أما هؤلاء فلعل أربعتهم اشتركوا في معظم هذه الأوصاف فهم ممن أريد بالنهي عن إطاعته ومن كان على شاكلتهم من أمثالهم.
وليس المراد من جمع هذه الخلال بل من كانت له واحدة منها ، والصفة الكبيرة منها هي التكذيب بالقرآن التي ختم بها قوله : (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [القلم : ١٥] ، لكن الذي قال في القرآن إنه (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [القلم : ١٥] هو الوليد بن المغيرة ، فهو الذي اختلق هذا البهتان في قصة معلومة ، فلما تلقف الآخرون منه هذا البهتان وأعجبوا به أخذوا يقولونه فكان جميعهم ممن يقوله ولذلك أسند الله إليهم هذا القول في آية (وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [الفرقان : ٥].
وذكرت عشر خلال من مذامّهم التي تخلقوا بها :
الأولى : (حَلَّافٍ) ، والحلاف : المكثر من الأيمان على وعوده وأخباره ، وأحسب أنه أريد به الكناية عن عدم المبالاة بالكذب وبالأيمان الفاجرة فجعلت صيغة المبالغة كناية