وذكر الزمخشري في «الأساس» معانيه المجازية ولم يذكر معناه الحقيقي ، وانبهم كلامه في «الكشاف» إلّا أن قوله فيه : وفي لفظ (الْخُرْطُومِ) استخفاف وإهانة ، يقتضي أن إطلاقه على أنف الإنسان مجاز مرسل ، وجزم ابن عطية : أن حقيقة الخرطوم مخطم السبع أي أنف مثل الأسد ، فإطلاق الخرطوم على أنف الإنسان هنا استعارة كإطلاق المشفر وهو شفة البعير على شفة الإنسان في قول الفرزدق :
فلو كنت ضبيّا عرفت قرابتي |
|
ولكنّ زنجيّ غليظ المشافر |
وكإطلاق الجحفلة على شفة الإنسان (وهي للخيل والبغال والحمير) في قول النابغة يهجو لبيد بن ربيعة :
ألا من مبلغ عني لبيدا |
|
أبا الورداء جحفلة الأتان |
والوسم للإبل ونحوها ، جعل سمة لها أنها من مملوكات القبيلة أو المالك المعيّن.
فالمعنى : سنعامله معاملة يعرف بها أنه عبدنا وأنه لا يغني عنه ماله وولده منا شيئا.
فالوسم : تمثيل تتبعه كناية عن التمكن منه وإظهار عجزه.
وأصل (نسمه) نوسمه مثل : يعد ويصل.
وذكر الخرطوم فيه جمع بين التشويه والإهانة فإن الوسم يقتضي التمكن وكونه في الوجه إذلالا وإهانة ، وكونه على الأنف أشد إذلالا ، والتعبير عن الأنف بالخرطوم تشويه ، والضرب والوسم ونحوهما على الأنف كناية عن قوة التمكن وتمام الغلبة وعجز صاحب الأنف عن المقاومة لأن الأنف أبرز ما في الوجه وهو مجرى النفس ، ولذلك غلب ذكر الأنف في التعبير عن إظهار العزة في قولهم : شمخ بأنفه ، وهو أشمّ الأنف ، وهم شمّ العرانين ، وعبر عن ظهور الذلة والاستكانة بكسر الأنف ، وجدعه ، ووقوعه في التراب في قولهم : رغم أنفه ، وعلى رغم أنفه ، قال جرير :
لما وضعت على الفرزدق ميسمي |
|
وعلى البعيث جدعت أنف الأخطل |
ومعظم المفسرين على أن المعنيّ بهذا الوعيد هو الوليد بن المغيرة. وقال أبو مسلم الأصفهاني في تفسيره قوله : (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) هو ما ابتلاه الله به في نفسه وماله وأهله من سوء وذل وصغار. يريد : ما نالهم يوم بدر وما بعده إلى فتح مكة. وعن ابن عباس معنى (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) سنخطمه بالسيف قال : وقد خطم الذي نزلت فيه بالسيف يوم بدر فلم يزل مخطوما إلى أن مات ولم يعيّن ابن عباس من هو.