استعمال النهي كقولهم : لا أعرفنّك تفعل كذا.
وجملة (وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ) في موضع الحال بتقدير (قد) ، أي انطلقوا في حال كونهم غادين قادرين على حرد.
وذكر فعل (غَدَوْا) في جملة الحال لقصد التعجيب من ذلك الغدوّ النحس كقول امرئ القيس :
وبات وباتت له ليلة |
|
كليلة ذي العائر الأرمد |
بعد قوله :
تطاول ليلك بالأثمد |
|
وبات الخلي ولم ترقد |
يخاطب نفسه على طريقة فيها التفات أو التفاتان.
والحرد : يطلق على المنع وعلى القصد القوي ، أي السرعة وعلى الغضب.
وفي إيثار كلمة (حَرْدٍ) في الآية نكتة من نكت الإعجاز المتعلق بشرف اللفظ ورشاقته من حيث المعنى ، ومن جهة تعلق المجرور به بما يناسب كل معنى من معانيه ، أي بأن يتعلق (عَلى حَرْدٍ) ب (قادِرِينَ) ، أو بقوله (غَدَوْا) ، فإذا علق ب (قادِرِينَ) ، فتقديم المتعلّق يفيد تخصيصا ، أي قادرين على المنع ، أي منع الخير أو منع ثمر جنتهم غير قادرين على النفع.
والتعبير بقادرين على حرد دون أن يقول : وغدوا حاردين تهكم لأن شأن فعل القدرة أن يذكر في الأفعال التي يشق على الناس إتيانها قال تعالى : (لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) [البقرة : ٢٦٤] وقال : (بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) [القيامة : ٤] فقوله : (عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ) على هذا الاحتمال من باب قولهم : فلان لا يملك إلّا الحرمان أو لا يقدر إلّا على الخيبة.
وإذا حمل الحرد على معنى السرعة والقصد كان (عَلى حَرْدٍ) متعلقا ب (غَدَوْا) مبينا لنوع الغدو ، أي غدوا غدوّ سرعة واعتناء ، فتكون (عَلى) بمعنى باء المصاحبة ، والمعنى : غدوا بسرعة ونشاط ، ويكون (قادِرِينَ) حالا من ضمير (غَدَوْا) حالا مقدّرة ، أي مقدرين أنهم قادرون على تحقيق ما أرادوا.
وفي الكلام تعريض بأنهم خابوا ، دل عليه قوله بعده (فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ)