والإقبال : حقيقته المجيء إلى الغير من جهة وجهه وهو مشتق من القبل وهو ما يبدو من الإنسان من جهة وجهه ضد الإدبار ، وهو هنا تمثيل لحال العناية باللّوم.
واللوم : إنكار متوسط على فعل أو قول وهو دون التوبيخ وفوق العتاب ، وتقدم عند قوله تعالى : (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) في سورة المؤمنين [٦].
والطغيان : تجاوز الحدّ المتعارف في الكبر والتعاظم والمعنى : إنا كنا طاغين على حدود الله.
ثم استأنفوا عن ندامتهم وتوبتهم رجاءهم من الله أن يتوب عليهم فلا يؤاخذهم بذنبهم في الآخرة ولا في الدّنيا فيمحو عقابه في الدنيا محوا كاملا بأن يعوضهم عن جنتهم التي قدر إتلافها بجنة أخرى خيرا منها.
وجملة (إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ) بدل من جملة الرجاء ، أي هو رجاء مشتمل على رغبة إليه بالقبول والاستجابة.
والتأكيد في (إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ) للاهتمام بهذا التوجه.
والمقصود من الإطناب في قولهم بعد حلول العذاب بهم تلقين الذين ضرب لهم هذا المثل بأن في مكنتهم الإنابة إلى الله بنبذ الكفران لنعمته إذ أشركوا به من لا إنعام لهم عليه.
روي عن ابن مسعود أنه قال : بلغني أنهم أخلصوا وعرف الله منهم الصدق فأبدلهم جنة يقال لها : الحيوان ، ذات عنب يحمل العنقود الواحد منه على بغل.
وعن أبي خالد اليماني (١) أنه قال : دخلت تلك الجنة فرأيت كل عنقود منها كالرجل الأسود القائم.
وقرأ الجمهور (أَنْ يُبْدِلَنا) بسكون الموحدة وتخفيف الدال. وقرأه نافع وأبو عمرو وأبو جعفر (يُبْدِلَنا) بفتح الموحدة وتشديد الدال وهما بمعنى واحد.
قال ابن الفرس في «أحكام القرآن» : استدل بهذه الآية أبو محمد عبد الوهاب على
__________________
(١) كذا في تفسير القرطبي ونفائس المرجان والآلوسي. ووقع في تفسير القرطبي : أنه اليمامي ، ولم أقف على ترجمته.