تَوَّاباً) [النصر : ٣].
وجملة (إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) إقرار بالذنب ، والتأكيد لتحقيق الإقرار والاهتمام به. ويفيد حرف (إنّ) مع ذلك تعليلا للتسبيح الذي قبله. وحذف مفعول (ظالِمِينَ) ليعم ظلمهم أنفسهم بما جرّوه على أنفسهم من سلب النعمة ، وظلم المساكين بمنعهم من حقهم في المال.
وجرت حكاية جوابهم على طريقة المحاورة فلم تعطف وهي الطريقة التي نبّهنا عليها عند قوله تعالى : (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) في سورة البقرة [٣٠].
ولما استقرّ حالهم على المشاركة في منع المساكين حقّهم أخذ بعضهم يلوم بعضا على ما فرط من فعلهم : كل يلوم غيره بما كان قد تلبس به في هذا الشأن من ابتكار فكرة منع المساكين ما كان حقا لهم من حياة الأب ، ومن الممالاة على ذلك ، ومن الاقتناع بتصميم البقية ، ومن تنفيذ جميعهم ذلك العزم الذميم ، فصوّر قوله : (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ) هذه الحالة والتقاذف الواقع بينهم بهذا الإجمال البالغ غاية الإيجاز ، ألا ترى أن إقبال بعضهم على بعض يصور حالة تشبه المهاجمة والتقريع ، وأن صيغة التلاوم مع حذف متعلق التلاوم تصوّر في ذهن السامع صورا من لوم بعضهم على بعض.
وقد تلقى كل واحد منهم لوم غيره عليه بإحقاق نفسه بالملامة وإشراك بقيتهم فيها فقال كل واحد منهم : (يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ) إلى آخره ، فأسند هذا القول إلى جميعهم لذلك.
فجملة (قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ) إلى آخرها يجوز أن تكون مبينة لجملة (يَتَلاوَمُونَ) ، أي يلوم بعضهم بعضا بهذا الكلام فتكون خبرا مستعملا في التقريع على طريقة التعريض بغيره والإقرار على نفسه ، مع التحسر والتندم بما أفاده (يا وَيْلَنا). وذلك كلام جامع للملامة كلها ولم تعطف الجملة لأنها مبينة.
ويجوز أن تكون جواب بعضهم بعضا عن لومه غيره ، فكما أجمعوا على لوم بعضهم بعضا كذلك أجمعوا على إجابة بعضهم بعضا عن ذلك الملام فقال كل ملوم للائمه (يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ) إلخ جوابا بتقرير ملامه والاعتراف بالذنب ورجاء العفو من الله وتعويضهم عن جنتهم خيرا منها إذا قبل توبتهم وجعل لهم ثواب الدنيا مع ثواب الآخرة ، فيكون ترك العطف لأن فعل القول جرى في طريقة المحاورة.