و (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) إضراب للانتقال إلى ما هو أهم بالنظر لحال تبييتهم إذ بيتوا حرمان المساكين من فضول ثمرتهم فكانوا هم المحرومين من جميع الثمار ، فالحرمان الأعظم قد اختص بهم إذ ليس حرمان المساكين بشيء في جانب حرمانهم.
والكلام يفيد ذلك إما بطريق تقديم المسند إليه بأن أتي به ضميرا بارزا مع أن مقتضى الظاهر أن يكون ضميرا مستترا في اسم المفعول مقدّرا مؤخرا عنه لأنه لا يتصور إلّا بعد سماع متحمّله. فلما أبرز الضمير وقدم كان تقديمه مؤذنا بمعنى الاختصاص ، أي القصر ، وهو قصر إضافي ، وهذا من مستتبعات التراكيب والتعويل على القرائن.
ويحتمل أن يكون الضلال حقيقيا ، أي ضلال طريق الجنة ، أي قالوا : إنا أخطأنا الطريق في السير إلى جنتنا لأنهم توهموا أنهم شاهدوا جنة أخرى غير جنتهم التي عهدوها ، قالوا ذلك تحيرا في أمرهم.
ويكون الإضراب إبطاليا ، أي أبطلوا أن يكونوا ضلّوا طريق جنتهم ، وأثبتوا أنهم محرومون من خير جنتهم فيكون المعنى أنها هي جنتهم ولكنها هلكت فحرموا خيراتها بأن أتلفها الله.
و (أَوْسَطُهُمْ) أفضلهم وأقربهم إلى الخير وهو أحد الإخوة الثلاثة. والوسط : يطلق على الأخير الأفضل ، قال تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) [البقرة : ١٤٣] ، وقال : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) [البقرة : ٢٣٨] ويقال هو من سطة قومه ، وأعطني من سطة مالك.
وحكي هذا القول بدون عاطف لأنه قول في مجرى المحاورة جوابا عن قولهم (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) قاله لهم على وجه توقيفهم على تصويب رأيه وخطل رأيهم.
والاستفهام تقريري و (لَوْ لا) حرف تحضيض. والمراد ب (تُسَبِّحُونَ) تنزيه الله عن أن يعصى أمره في شأن إعطاء زكاة ثمارهم.
وكان جوابهم يتضمن إقرارا بأنه وعظهم فعصوه ودلوا على ذلك بالتسبيح حين ندمهم على عدم الأخذ بنصيحته فقالوا : (سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) أرادوا إجابة تقريره بإقرار بتسبيح الله عن أن يعصى أمره في إعطاء حق المساكين فإن من أصول التوبة تدارك ما يمكن تداركه ، واعترافهم بظلم المساكين من أصول التوبة لأنه خبر مستعمل في التندم ، والتسبيح مقدمة الاستغفار من الذنب قال تعالى : (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ