استسخروا به على المسلمين في معرض جحود أن يكون بعث ، وفرضهم أنه على تقدير وقوع البعث والجزاء لا يكون للمسلمين مزية وفضل عند وقوعه.
وعن مقاتل لما نزلت آية (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [القلم : ٣٤] قالت قريش : إن كان ثمة جنة نعيم فلنا فيها مثل حظنا وحظهم في الدّنيا ، وعن ابن عباس أنهم قالوا : إنا نعطى يومئذ خيرا مما تعطون فنزل قوله : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) الآية.
والهمزة للاستفهام الإنكاري ، فرع إنكار التساوي بين المسلمين والكافرين على ما سبق من اختلاف جزاء الفريقين فالإنكار متسلط على ما دار بين المشركين من القول عند نزول الآية السابقة أو عند نزول ما سبقها من آي القرآن التي قابلت بين جزاء المؤمنين وجزاء المشركين كما يقتضيه صريحا قوله : (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) إلى قوله : (إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ) [القلم : ٣٩].
وإنكار جعل الفريقين متشابهين كناية عن إعطاء المسلمين جزاء الخير في الآخرة وحرمان المشركين منه ، لأن نفي التساوي وارد في معنى التضاد في الخير والشر في القرآن وكلام العرب قال تعالى : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) [السجدة : ١٨] ، وقال : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) [الحشر : ٢٠] ، وقال : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) [ص : ٢٨] وقال السموأل أو الحارثي :
سلي إن جهلت الناس عنّا وعنهم |
|
فليس سواء عالم وجهول |
وإذا انتفى أن يكون للمشركين حظ في جزاء الخير انتفى ما قالوه من أنهم أفضل حظا في الآخرة من المسلمين كما هو حالهم في الدّنيا بطريق فحوى الخطاب.
وقوله : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) كلام موجه إلى المشركين وهم المقصود بالمجرمين ، عبر عنهم بطريق الإظهار دون ضمير الخطاب لما في وصف المجرمين من المقابلة ليكون في الوصفين إيماء إلى سبب نفي المماثلة بين الفريقين.
فلذلك لم يكن ضمير الخطاب في قوله : (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) التفاتا عن ضمائر الغيبة من قوله : (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) [القلم : ٩] وقوله (إِنَّا بَلَوْناهُمْ) [القلم : ١٧].